-A +A
جولة: سعود الرشودتصوير: راشد الثويني

القرى والمدن والناس تحيط بجبل سلمى احاطة السوار بالمعصم فعلى مسافة متقاربة تنتشر المراكز والتجمعات السكانية والحضرية ولا تكاد تنقطع عن ناظريك البيوت والبساتين وهي غالبا في مدى الرؤية وان كانت بعض القرى والبلدات تتداخل مع الجبل مختفية عن الانظار في تجويفاته وتكويناته وهذه حال مركز «رك» في خشم سلمى الشمالي الغربي. تقع البلدة داخل تكوين جبلي يعرف محليا بالتلعة وان كانت بلدة رك اليوم قد شبت عن الطوق وخرجت الى سفوح الجبل الشمالية على ربوة قبالة المدخل الوحيد للقرية القديمة التي لازالت تمتزج في تداخل رائع وغريب ومتميز مع الجبل حيث انعكست الوان الجبل القرمزية المائلة للحمرة حتى على المساكن الطينية القديمة التي تنتشر فوق التلال والروابي والجبيلات الصغيرة داخل التلعة اتقاء للسيول التي تخترقها وتمر متعرجة في ازقتها وشوارعها فوادي رك الرئيسي واد ذو عمق قصي في الجبل وتشكل امتداداته والتواء مساراته وتشكيلاته الصخرية ومساقطه المائية واشجاره وشجيرته الطبيعية مع انتشار النخيل فيه مناظر خلابة تسلب الالباب وتمنح النفس صفاء وراحة وتمثل لوحات طبيعية جديرة بزيارتها وتستحق ان تضاف لقوائم الاستثمار السياحي كغيرها من الصهوات والتكوينات الجبلية الجميلة على متن جبل سلمى.

العماليق مروا من هنا

ولعل السؤال الذي يتبادر لذهن من يسمع باسم «رك».. هو عن سبب التسمية..؟ وماذا يعني رك..؟ وعلى ماذا يدل..؟ وعلى كثرة ما سألنا هذا السؤال فقد كانت اجابة كل من التقيناهم من ابناء تلك النواحي انهم لا يعرفون سببا للتسمية وانهم وعوا الواقع على ما هو عليه وان الاسم قديم جدا وجاهلي مستشهدين بواقعة اسلامية حدثت في ذات المكان وكان رك حينها يحمل ذات الاسم وفي الموقعة استشهد الصحابي الجليل عكاشة بن محصن رضي الله عنه والذي لايزال قبره معروفا في جبل سلمى.. وقد ورد ذكر رك في شعر الجاهليين فقد قال الشاعر زهير بن ابي سلمى:

ثم استمروا وقالوا ان مشربكم

ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك

وحسب اطلاعي على عدد من المصادر التاريخية في الامكنة بتلك النواحي ومن واقع قراءاتي المستفيضة فإن التسمية لاتخرج عن احد احتمالين اثنين وارجح الاول منهما وهو ان اصل التسمية قديم جدا يعود لايام العماليق فالمنطقة من مواطنهم القديمة وتعج بالاسماء المقاربة غير المألوفة والمتداولة لدى المجتمع المحلي ولا يوجد لبعضها تفسير منطقي ومنها انتشار اسماء لبلدان مثل «فيد» و«فدك» و«سميراء» واسماء لجبال ومواقع مثل «فتك» و«عكاش» و«ياطب» وهي من التسميات التي تنسب للعماليق والامم القديمة البائدة التي كانت سائدة آنذاك وهذا هو الارجح .

والتأويل الثاني انها بحذاء الجبل تماحكه وتلزه وهو الرك بمعناه اللغوي كما ان من معانيه في معاجم اللغة كما عند ابن منظور في لسان العرب انه لزوم الشيء وهو كذلك المطر الخفيف.

وعلى كل حال فإن الاسم بقصره وتركيبه الغريب منح «رك» شهرة واسعة في المنطقة وصار علما مميزا على الرغم من انزوائه داخل الجبل بعيدا عن الطرقات الرئيسة.

ويعد مركز امارة رك وهو من الفئة «ب» احد مراكز النمو الحضري الى الشمال من جبال سلمى ويتبع لمحافظة الشنان ويبعد عنها اربعين كيلو مترا وترتبط به اداريا عدة مواقع هي «سبيعة والبطين والخوي والقرفاء ومبرز والسليل وعقلة».. وقد نال المركز نصيبا من الخدمات سواء فيه او في القرى التابعة له حيث تربطه شبكة طرقات بكل هذه القرى والبلدات ويوجد بالمركز كافة المراحل التعليمية للبنين والبنات ومركز صحي وخدمات حكومية اخرى.

الأمن والتنمية الاجتماعية

في مقر مركز امارة رك علق رئيس المركز مشل بن فالح البشر قائلا: الهاجس الامني اخذ يقلق الاهالي والسكان بأبعاده المتعددة سواء منها المشاكل اليومية والمنازعات والمضاربات او من خلال تنامي قضايا العمال وخلافاتهم وقضاياهم والظواهر المرتبطة بهم او انتشار سرقة الاغنام مصادر الرزق للاهالي مشيرا الى ان ذلك يستدعي افتتاح مركز للشرطة او على الاقل نقطة امنية تساهم في تكريس الامن الذي تنعم به بلادنا ولله الحمد في كافة ارجائها.

وقال مشل الفالح: ان المناطق الريفية هي الاكثر احتياجا من المدن للتنمية الاجتماعية رغم اهميتها في كلا الموقعين فهي تستدف بث الوعي وتنمية المواهب واكتشافها وتدريبها والمساهمة في استيعاب الطاقات الاجتماعية والشبابية وتوجيهها التوجيه السليم وبما يكفل تحقيق اهداف التنمية البشرية التي هي مدار التنمية في بلادنا وخصوصا في شقها الانثوي الذي يحتاج للكثير من مهارات التعليم والتدريب والتفعيل والدعم ناحية الاسهام والمشاركة في القطاع والعمل التنموي.. ويضيف: في منطقة حائل هناك مركزان للتنمية الاجتماعية كلاهما انحصرا في نطاق ضيق يحيط مدينة حائل احدهما افتتح مؤخرا في نطاق المدينة والآخر في الثمانينات الهجرية بقفار على بعد خمسة اكيال منها فيما تعاني القرى والمناطق الريفية المتباعدة من ندرة فعاليات وبرامج التنمية الاجتماعية التي تساهم في توجيه القدرات ناحية المشاركة الفاعلة في التنمية وتكريس الانماط الايجابية للحياة والعمل والترقي بمستوى الفاعلية الاجتماعية للافضل ويرى ان تعميم مراكز التنمية الاجتماعية ببرامجها المختلفة سيساعد في تلبية متطلبات التنمية الشاملة ويحقق مستهدفاتها الاستراتيجية.

وفي استطراده لفت رئيس مركز رك لاهمية ايجاد عمق حضاري وريفي للمناطق والمدن الرئيسة وتأمين الضرورات الحياتية لابناء هذه الارياف ليتحقق لهم مقومات الاستقرار والبقاء في قراهم ومدنهم لتحقيق نمو متوازن وتوزيع ديموغرافي يخفف من وطأة الهجرات المتتالية والتكدس في المدن بما يربك مخططاتها ويكون فوق طاقة الخدمات المتحققة لها.. وهنا يذكر البشر ان هناك اولويات للتنمية المتوازنة من اهمها تسريع عجلة مشاريع المياه الشاملة على التكوينات وقد اولاها صاحب السمو الملكي الامير سعود بن عبدالمحسن وسمو نائبه جل اهتمامهما والجميع هنا يستبشرون خيرا بقدوم هذه المشاريع.. كما ان هناك حاجة ملحة لتكامل الخدمات في المحافظة حتى تخفف اعباء مراجعة مركز منطقة حائل على كثير من المواطنين في احتياجاتهم اليومية سواء اكان ذلك في التعليم او الاحوال المدنية او الضمان الاجتماعي او البنك الزراعي وخلاف ذلك من القطاعات التي ترتبط بالشأن اليومي للناس.

انقراض المهن

اذا كانت البطالة وندرة الفرص الوظيفية وتقلص حجم الاعمال تنتشر في المدن والمناطق الرئيسية وصارت سمة في الوقت الراهن فإن الاطراف والمدن الصغيرة والارياف شهدت ما يمكن تسميته انقراض المهن والحرف والاعمال فيها خصوصا بعد انحسار موجة المد الزراعي الذي شهد فترته الذهبية واوج عزه منتصف الثمانينات الى مطلع التسعينات الميلادية وتبعه اندثار الحرف التقليدية والمهن المحلية المرتبطة بالزراعة والرعي.

وفي هذا السياق يؤكد ظاهر بن مفوز الشمري.. ان الفرص الوظيفية في القرى والمدن الصغيرة محدودة جدا ولا تكاد تستوعب الا الجزء اليسير من الفعاليات والطاقات البشرية وانحصرت في وظائف معروفة كمؤذني وائمة المساجد والوظائف التعليمية فقط.. مشيرا الى ان تربية الاغنام ورعايتها اصبح مكلفا وغير ذي جدوى اقتصادية وبلا عوائد مجزية ففي ظل ارتفاع اسعار الشعير والاعلاف ونقص امدادات المياه وتردي الزراعة والمزارع صارت تربية المواشي هواية اكثر منها حرفة.ويذكر ظاهر الشمري ان «رك» والقرى المجاورة لها تتهلف لذلك اليوم الذي يتم فيه انشاء سدود على الاودية المنتشرة وخصوصا وادي رك لحفظ مياه الامطار والسيول ودرء مخاطرها وتحقيق عدة منافع من انشائها حيث ستعيد الحياة للمزارع وتساهم في تنمية الدائرة الانتاجية للقرى والبلدات.. مؤكدا ان السدود البدائية التي يقيمها الاهالي بجهودهم الذاتية اتت ثمارها وكان لها الدور الكبير في حفظ المياه وتسريبها لباطن الارض.



«القرفاء» وطريق المحافظة

على بعد خمسة اكيال شرقاً من رك تقع قرية «القرفاء» وهي قرية خضراء زاهية ومتميزة بنخيلها وبساتينها النظرة وسط القرى العطشى وذلك عائد لكونها في منخفض من الأرض ولا زالت آبارها تضخ الماء والحياة في المزارع ومع انه ملح اجاج إلا أنه منح البلدة الثبات والاستقرار والنماء واعطى لبساتينها الغطاء الأخضر الذي يلحظه القادم من مسافات بعيدة وتمتد القرية مستطيلة بمحاذاة شمالي جبل سلمى على مسافة تقارب سبعة كيلو مترات من الشرق الى الغرب وهي قرية وادعة وريف مثالي حيث تتوسط مجموعة من القرى والبلدات والمراكز وتقع على مرمى حجر من مركز المحافظة وان كانت تشكو حسب ما يذكر مناع بن فالح البشر من عدم سفلتة الجزء الذي يربطها بمحافظة الشنان وهو الشريان الاهم الذي يجعلها تتواصل مع القطاعات والجهات الحكومية والاهلية واحتياجات الناس اليومية ويضيف: هذا الطريق يمثل صلة وتواصلا بين المحافظة وتوابعها من مراكز وقرى كثيرة.. وهناك وصلة قصيرة تربط القرية بالطريق الدولي ولا يتجاوز طولها الستة كيلو مترات وهي جزء من حياة الناس بشكل يومي.. كما يلفت الشيخ مناع لأهمية انارة الشارع الرئيسي في القرية وتحسين الشارع خصوصا في اجزائه التي تتقاطع مع الشغايا والاودية.

من جانبه يعتبر ثنيان محمد الشلهوب: ان ابرز احتياجات البلدة في الوقت الراهن هو مياه الشرب والاستهلاك اليومي من الماء العذب الذي بات يشكل عبئا على الاهالي حيث ان ادارة المياه توزعها بنظام الحصص والوايتات الشهرية وهذا غير كاف في الشتاء فكيف اذا حل الصيف ضيفا ثقيلا ناحية ندرة الماء..