-A +A
صباح مبارك (مكة المكرمة)
تتعمد الأخصائية الاجتماعية ومشرفة قسم المسنات في دار الرعاية الاجتماعية للمسنين في مكة المكرمة أمل يللي تقبيل رؤوس النزيلات، وكفوفهن وتشعر بالراحة لمشاهدة الرضى في نظراتهن وفرحتهن بلمساتها الحانية الرقيقة.

فهي ترى بأنهن بحاجة إلى الحب والاحترام والتقدير أكثر من أي فئة أخرى في المجتمع وتحاول تلبية احتياجاتهن برفقة عدد من الأخصائيات التابعات للدار.
ولاحظت يللي حبهن للأطفال، خصوصا الأيتام، فكانت صاحبة فكرة برنامج «تواصل الأجيال»، وهو برنامج يشمل المسنين والأطفال وذلك لافتقاد الأيتام للجدة في حياتهم فيغدقن عليهم بحنانهن وهم يعاملونهن بالرحمة.
كما تم إعداد وتكوين نادي «صديقات المسنات» لتنظيم الجهود التطوعية نظرا لدور السيدات المكيات وحبهن للخير وتواصلهن الدائم مع المسنات في الدار ومشاركتهن لهن في جميع المناسبات.
«عكاظ» جالت داخل القسم الخاص بالمسنات الذي اشتمل على كادر وظيفي كامل يهتم بهذه الفئة من المجتمع حيث يقوم على رعايتهن والعناية بهن وملاحظتهن وتقول أمل يللي ان الدار تضم حاليا (47) مسنة تقوم بخدمتهن (47) عاملة، ويعتبر عددا قليلا مقارنة بأن دار الرعاية تخدم منطقة مكة وجدة أي جدة ومكة بضواحيها.
وقالت الأخصائية الاجتماعية هنية المنعمي: لم تكن دار الرعاية يوما من الأيام مشجعة أو مكان عقوق فكل من تشملهن أجبرتهن ظروف الحياة لأن يكن في هذا المكان الذي بقدر ما تقدم لهن من خدمات ومعاملة ينقصهن نعمة إحساسهن بفقدهن للحياة التي اعتادت النفس عليها وهو ما يتعب العاملين على هذه الفئة وبالأخص عندما يكون هناك إدراك للمسنة ونقوم بإفهامها عند إحضارها.
وعن أصعب ما تواجهه الأخصائيات الاجتماعيات مع هذه الفئة تقول المنعمي إنه عندما تأتي مسنة غير قادرة على رعاية نفسها وليس لديها من يعولها واعتادت على عيشة وحياة معينة في بيئة طبيعية (بيئة الصحراء) مثلا فرغم ما يعانونه من متاعب إلا أنهن لا يستطعن الاستغناء عن تلك الحياة، التي تصبح جزءا لا يتجزأ منهن، مثل ما حدث مع (ع. م) المسنة نحيلة واهنة وأرملة ولم تنجب وأتي بها من إحدى القرى، وكانت تمشي متشبثة بعكازها وعند استقبال الدار لها وأخذها إلى غرفتها بالدور العلوي وتوجهت إليها عاملة العناية الشخصية لمساعدتها رفضت المسنة مساعدة أحد أو دخول الغرفة وقالت لا أريد الدخول أريد بيتي وغنمي وظلت تدور في كل مكان من الدار طوال ذلك اليوم وتردد أسماء لا تفهم وتقول أخرجوني من هنا وكانت تستعطف كل من حولها ليخرجوها من الدار ولا ترغب البقاء وعند الجلوس معها وإفهامها أن هذا المكان أفضل لها بدلا من عيشها وحدها في الصحراء تقول «لا شأن لأحد منكم بي أريد بيتي»، وكانت ترفض الأكل والشرب رغم تقديم كل سبل الراحة لها من نظافة ومأكل وملبس إلا أنها تفضل بيئتها الطبيعية وكانت تردد أنها مخنوقة وظلت طويلا لا تأكل حتى مرضت وتم تنويمها بالمستشفى، إلا إنها أصرت على عدم العيش والبقاء في هذا المكان، إلى ان توفيت.
وتحدثت الأخصائية الاجتماعية أميرة عبيدالله المسعودي عن الإجراءات المتبعة عند دخول الدار بالنسبة للمسنات بأنه في حال تقدم أي شخص لطلب التحاق مسنة للدار يتم عمل بحث اجتماعي متكامل عن طريق أخصائية اجتماعية وطبيبة الدار والتحقق من شروط القبول وهي أن يكون العمر 60 عاما وما فوق وأن تكون سعودية الجنسية وغير قادرة على رعاية نفسها، إضافة إلى عدم وجود عائل من الدرجة الأولى او غير قادر على رعايتها وأن تكون خالية من الأمراض المعدية والسارية وإثبات حاجتها إلى دخول الدار من قبل البحث الاجتماعي.
وتضيف المسعودي: بعد إتمام جميع هذه الإجراءات وتوفر الشروط يتم رفعها للجهات المختصة الى ان يصل الرد على القبول وحينها يتم الاتصال على ذوي المسنة لاستقبالها بالدار وحين حضور المسنة يتم استقبالها من قبل الأخصائية الاجتماعية وطبيبة الدار وممرضة ومراقبة اجتماعية، تقوم الأخصائية الاجتماعية والمراقبة الاجتماعية بحصر أغراضها وكتابة محضر بذلك وتسليمها للإدارة والكشف عليها من قبل الطبيبة والتمريض ومن ثم تصرف لها الكسوة المناسبة لها ووضعها في غرفة مؤقتة إلى حين عمل برنامج لتكيفها بالدار حيث إن المسنات في بداية الدخول تكون نفسياتهن غير مهيأة للدار ويتمثل البرنامج في الجلوس مع المسنة والتحدث معها ومعرفة ميولها واحتياجاتها وبعد معرفة تلك المعلومات عنها ولوحظ ان الغرفة غير مناسبة لها يتم نقلها الى غرفة أخرى تناسبها وتشجيعها على التفاعل الاجتماعي مع بعض المسنات وتكوين صداقات في ما بينهن حتى تطمئن وتتبدد مشاعر الخوف عنها.
وتحدثت المسعودي عن أغرب الحالات التي استقبلت في الدار بقولها ان هناك حالة تم التوجيه باستلامها من مقام الوزارة حيث تسكن في حي شعبي بجوار منازل قديمة مهجورة كما أن مقر سكنها يقع بجوار المقبرة، وجدت الحالة في غرفة من الصفائح الحديدية مقسمة لقسمين قسم فيه جميع أغراضها الخاصة بالمطبخ التي لوحظ بأنها منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام وملابسها مبعثرة في أنحاء الغرفة وكانت غير نظيفة والقسم الآخر للجلوس، حيث ان المسنة لا ترغب في الاختلاط بأحد او استقبال او مقابلة أي شخص وتم استلام المسنة بالفعل وقدمت لها جميع الخدمات الاجتماعية والطبية ووجد ان وضعها الصحي متدن جدا حتى أن ملابسها التي ترتديها كانت متسخة ويظهر عليها عدم الاستحمام وعدم الاهتمام بمظهرها كما ان المسنة تعاني من الخرف وكثرة الهذيان وهي غير مدركة لما تقوم به من أعمال ولا تحسن التصرف، ولديها إعاقة سمعية حتى أننا نضطر إلى الاقتراب منها لكي نحدثها بصوت مرتفع حتى تتمكن من سماعنا والرد علينا، وتم عمل برنامج لتكيفها بالدار حيث كما ذكرت سابقا بأنها لا ترغب الاختلاط بأحد او استقبال ومقابلة أي شخص.
وذكرت أنه يجري إشراك المسنات في جميع المناسبات الوطنية والاجتماعية وتتمثل في اليوم العالمي للمسنين، أسبوع الشجرة، أسبوع المرور، وشهر الخدمة الاجتماعية (شهر مارس)، اليوم الوطني، الجنادرية، الأعياد.
وبدورها تحدثت الأخصائية الاجتماعية زينب الشنقيطي عن نوعية الوجبات التي تقدم للمسنات وكيفية الإعاشة لهن بأنه يقدم لهن ثلاث رئيسية؛ الفطور، الغداء، العشاء، ووجبتين خفيفتين (شاي، قهوة، بسكويت، تمر، والمعجنات بأنواعها) مع مراعاة المقيمات اللاتي يتناولن الطعام مطحونا، والمصابات بالسكري وارتفاع ضغط الدم. وأيضا وجبة للمقيمات الصائمات تقدم كل (اثنين وخميس) وتتنوع الوجبات من السمك والدجاج واللحم والفواكه والخضراوات.
وتهدف الخدمات الاجتماعية إلى دمج المسنات في الحياة الاجتماعية وذلك من خلال تشجيع أهاليهن وذويهن على زيارتهن، واصطحابهن للخارج وتكوين صداقات داخل الدار والمشاركة في الأنشطة والبرامج الترويحية، مثل الرحلات الخارجية وإقامة حفلات السمر داخل الدار المشاركة للفعاليات، مثل اليوم العالمي للمسنين، ومهرجان الجنادرية، وكذلك النشاط الديني مثل زيارة الحرم، وأداء العمرة لمن يستطيع، والنشاط الحركي ويشمل بعض التدريبات الخفيفة، والخروج إلى فناء الدار للتشميس.
وتقول طبيبة الدار عفاف فلمبان ان الدار تعتني بحالة المسنة الصحية من بداية اليوم حيث المرور الصباحي وتهوية الغرف ثم فحص المسنات وتغيير أوضاع طريحات الفراش لتجنب التقرحات السريرية والجلطات وتقديم العناية السريرية من الناحية الصحية والدوائية.
وأوضحت فلمبان أنه يجري الإشراف على تحميم المسنات يوميا ومراقبة العلامات الحيوية للمسنات اللواتي يعانين من ارتفاع في ضغط الدم وقياس أوزانهن شهريا وفحص دم كامل لوظائف الكبد والكلى والكوليسترول كل 6 أشهر إضافة إلى إجراء جلسات العلاج الطبيعي مثل التمارين الحركية والكمادات الساخنة والباردة وتشجيع المسنات على مزاولة الرياضة كالمشي في الحديقة واللعب بكرة اليد.