حدثني صديقي المهندس العتيد، ذو الرأي الرشيد، في ليلة مقمرة، والناس في حالة ثرثرة، وانبساط وكركرة، فقال لا فض الله فاه، ورحم أبانا وأباه :
«جاءنى أبو العريف، وهو يهندم جلبابه، بعد أن غرف لي طبق القلابة، وقدمه مع التحابيش، التي أوصى بها مولانا أبو الريش، حسب تعبيره الساخر، ووقف يرقبني وأنا أتلمظ بطبق الفول العامر، فبادرني بعفوية عمنا ساهر، قائلا أنا عندي قضية. قلت يا أبا العريف مالك والقضايا، خليك في حالك أفضل واسلم من الرزايا، قال لا ياباشمهندس، قضيتي تحتاج مشورة وإجابة، ولا صديق آخر لي أسأل جنابه، فقضيتي لا يستطيع عمدة الحارة ولا الأسرة أن يفتوني بها ولا الجارة. قلت يا أبا العريف وهل تراني مفتيا بعمامة، خريج أزهر أو معهد إسلامي، بالسلامة؟ أنا مهندس محنك، وفي مجال الفتاوى غشمشم، فأسأل غيري وما أكثر، فالشعب كله يفتي، وقد أفتى من قال لا أفتي، ونحن في الإفتاء من القلة، لا نعلم أكثر من ستي.
قال أبو العريف، مهما يكن فأنت مثقف، وقد قرأت وفهمت وأصبحت في العلم كمستوصف، يجئ إليه الجاهل مثلي ليتعلم، وينال بعض العلم ممن هو أعلم. ولما أفحمني قلت هات يا أبا العريف ما عندك، فلربما أوفيت قصدك، حتى ولو أفتيت ضدك!.
قال أبو العريف: المسألة بسيطة، أنت تعلم أنني أملك من السيارات أرخصها وأدناها، وهي قرنبع لا تتحرك إلا إذا رفصناها، وحالنا مستور، والبنزين لدينا بسعر رخيص ميسور، أرخص من الماء ومن الرز المبثور.
ولكننا حينما نسوق تلك القرنبع السيارة، ونمشي من حارة إلى حارة، أو نأخذ حرمتنا لنشم الهواء، ونقصد الكورنيش أو شراء بعض الأشياء، يقابلنا عند الإشارات وحش كاسر، يسمونه (الساهر)، أنا شخصيا لم أره وكما أبلغني العقلاء لا يجب أن أراه، فحرمتي تقول إنه يختبئ على الرصيف، داخل علبة محاطة بالخوازيق، قصيرة، ثلاثة وليست كثيرة.
وتلك الخوازيق، عافاك الله ياباشمهندس، هي تعبير دقيق لم ينتظر العدو والصديق، من الوحش المختبئ في العلبة عند الإشارة، ولا أمان له ولا تعرف صاحبه ولا أسراره.
وقد كانت لأول مرة صورني فيها الساهر فرحة كبيرة في بيتنا وزغروطة ومسرات، وانتظرت مع الحرمة والأولاد وقت إذاعتها على القنوات والفضائيات، فقد حسبنا وظننا أن هذا الساهر يصورنا ليعرض صورنا على التلفزيونات، كما يفعل مع المشهورين والمسؤولين في التحقيقات والمقابلات، وهلل الأطفال وزغردت الحرمة والجارات. ولكن بعد طول انتظار وترقب، عرفنا الحقيقة والحظ المهبب! فقد قال جاري، الخبير والداري، أن الصورة يابطل تعني مخالفة مرورية، ولابد من الدفع بصورة فورية. فأصبنا بخيبة أمل كبيرة وتراكم الهموم، فنصف الألف ريال أبعد عندي من النجوم.
وبعد قضاء ثلاثة شهور لتدبير المبلغ من بيع الفول، وبين عويل الحرمة والأولاد والنواح والصياح، أمكن تدبير المبلغ ورحنا للتسديد بعزة نفس وعنجهية، فإذا الغرامة تحولت من (خمسمائة) إلى (تسعمية). بالطبع ارتبكنا، ورجونا وتباكينا، فحصلنا على صيغة الحرمة وبعناها، ودفعنا المبلغ المحسوم، وفي قلوبنا غصة كأننا نأكل من شجرة الزقوم. كيف أصبح نصف الألف تسعمائة ؟ وشيخ الجامع في خطبته يقول الربا حرام من الحرمات الكبار، وقد أصابنا برعب كبير وطلب أن نرفع الأكف وندعو سويا، وجعلنا نلعن البنوك التي تعطي الأغنياء أقل من واحد في المائة سنوية.
قلت يا أبا العريف هذا سؤال حصيف، يحتاج إلى مجمع من الفتوجية، وأفضل لك ولنا أن تعود لبيع الفول والطعمية، أما أنا فليس عندي جواب، وإن أجبت أصبح طعامي (حلاوة)، وأنا قانع بأكل الفول، وإن تيسر.. الكباب».
«جاءنى أبو العريف، وهو يهندم جلبابه، بعد أن غرف لي طبق القلابة، وقدمه مع التحابيش، التي أوصى بها مولانا أبو الريش، حسب تعبيره الساخر، ووقف يرقبني وأنا أتلمظ بطبق الفول العامر، فبادرني بعفوية عمنا ساهر، قائلا أنا عندي قضية. قلت يا أبا العريف مالك والقضايا، خليك في حالك أفضل واسلم من الرزايا، قال لا ياباشمهندس، قضيتي تحتاج مشورة وإجابة، ولا صديق آخر لي أسأل جنابه، فقضيتي لا يستطيع عمدة الحارة ولا الأسرة أن يفتوني بها ولا الجارة. قلت يا أبا العريف وهل تراني مفتيا بعمامة، خريج أزهر أو معهد إسلامي، بالسلامة؟ أنا مهندس محنك، وفي مجال الفتاوى غشمشم، فأسأل غيري وما أكثر، فالشعب كله يفتي، وقد أفتى من قال لا أفتي، ونحن في الإفتاء من القلة، لا نعلم أكثر من ستي.
قال أبو العريف، مهما يكن فأنت مثقف، وقد قرأت وفهمت وأصبحت في العلم كمستوصف، يجئ إليه الجاهل مثلي ليتعلم، وينال بعض العلم ممن هو أعلم. ولما أفحمني قلت هات يا أبا العريف ما عندك، فلربما أوفيت قصدك، حتى ولو أفتيت ضدك!.
قال أبو العريف: المسألة بسيطة، أنت تعلم أنني أملك من السيارات أرخصها وأدناها، وهي قرنبع لا تتحرك إلا إذا رفصناها، وحالنا مستور، والبنزين لدينا بسعر رخيص ميسور، أرخص من الماء ومن الرز المبثور.
ولكننا حينما نسوق تلك القرنبع السيارة، ونمشي من حارة إلى حارة، أو نأخذ حرمتنا لنشم الهواء، ونقصد الكورنيش أو شراء بعض الأشياء، يقابلنا عند الإشارات وحش كاسر، يسمونه (الساهر)، أنا شخصيا لم أره وكما أبلغني العقلاء لا يجب أن أراه، فحرمتي تقول إنه يختبئ على الرصيف، داخل علبة محاطة بالخوازيق، قصيرة، ثلاثة وليست كثيرة.
وتلك الخوازيق، عافاك الله ياباشمهندس، هي تعبير دقيق لم ينتظر العدو والصديق، من الوحش المختبئ في العلبة عند الإشارة، ولا أمان له ولا تعرف صاحبه ولا أسراره.
وقد كانت لأول مرة صورني فيها الساهر فرحة كبيرة في بيتنا وزغروطة ومسرات، وانتظرت مع الحرمة والأولاد وقت إذاعتها على القنوات والفضائيات، فقد حسبنا وظننا أن هذا الساهر يصورنا ليعرض صورنا على التلفزيونات، كما يفعل مع المشهورين والمسؤولين في التحقيقات والمقابلات، وهلل الأطفال وزغردت الحرمة والجارات. ولكن بعد طول انتظار وترقب، عرفنا الحقيقة والحظ المهبب! فقد قال جاري، الخبير والداري، أن الصورة يابطل تعني مخالفة مرورية، ولابد من الدفع بصورة فورية. فأصبنا بخيبة أمل كبيرة وتراكم الهموم، فنصف الألف ريال أبعد عندي من النجوم.
وبعد قضاء ثلاثة شهور لتدبير المبلغ من بيع الفول، وبين عويل الحرمة والأولاد والنواح والصياح، أمكن تدبير المبلغ ورحنا للتسديد بعزة نفس وعنجهية، فإذا الغرامة تحولت من (خمسمائة) إلى (تسعمية). بالطبع ارتبكنا، ورجونا وتباكينا، فحصلنا على صيغة الحرمة وبعناها، ودفعنا المبلغ المحسوم، وفي قلوبنا غصة كأننا نأكل من شجرة الزقوم. كيف أصبح نصف الألف تسعمائة ؟ وشيخ الجامع في خطبته يقول الربا حرام من الحرمات الكبار، وقد أصابنا برعب كبير وطلب أن نرفع الأكف وندعو سويا، وجعلنا نلعن البنوك التي تعطي الأغنياء أقل من واحد في المائة سنوية.
قلت يا أبا العريف هذا سؤال حصيف، يحتاج إلى مجمع من الفتوجية، وأفضل لك ولنا أن تعود لبيع الفول والطعمية، أما أنا فليس عندي جواب، وإن أجبت أصبح طعامي (حلاوة)، وأنا قانع بأكل الفول، وإن تيسر.. الكباب».