في جرأة غير مسبوقة للدكتور سعد البازعي انتقل من ملعب النقد الأدبي الذي يجيد أدواته الى ملعب الفكر، واختار ان يدخله بقضية ليست شائكة فحسب، لكنها تصطدم العقل العربي الذي تربى طويلا على الايديولوجيات الثابتة، فضلا عن صعوبة الظرف التاريخي الذي يتناول فيه قضيته حين أصدر كتابه الأزمة «المكون اليهودي في الحضارة الغربية» ويبرز فيه الدور الذي لعبه اليهود في تاريخ الحضارة الغربية الحديثة. المشكل ان د. البازعي لا يلغي تعاطفه كباحث مع نوابغ اليهود أمثال فرويد وسبينوزا وهاينه وهارولد بلوم.. وغيرهم من منطلق ما قدموه للإنسانية، لكنه كما يقول في حواره لـ «عكاظ» ينطلق من سعيه للتحرر من سطوة الايديولوجيات المسبقة التي حاصرته خلال بحثه في مادة الكتاب، وقد أفاده ذلك في الكشف النقدي عن تأثير الانتماء اليهودي في تكوين خصوصيتهم الثقافية، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن توظيف الجماعات اليهودية لهذا المكون الثقافي في خدمة مصالحهم بإبراز تفوقهم البشري على الشعوب.
فيما يتوقع ان يثير هذا الكتاب الشكوك والريبة في نوايا مؤلفه، فان سطور هذا الحوار تثير اختلاف البازعي مع د. عبدالوهاب المسيري ود. عبدالله الغذامي، وهي اختلافات تعكس تعدد قراءة وتحليل المفكرين العرب لليهود فإلى تفاصيل الحوار:
من الأدب إلى الفكر
في البداية.. كيف جاءت فكرة هذا الكتاب الذي ينقلك من ميدان النقد الأدبي الى ميدان الفكر؟
- هذا الكتاب يمثل جهداً متواصلاً من البحث طيلة خمسة أعوام في الاجابة على سؤال رئيسي هو: ما هو حقيقة الحضور اليهودي في الثقافة الغربية؟ وهل هو ينتمي لليهودية بوصفها خلفية عرقية أثنية أم دينية؟ وقد شغلتني الإجابة على علامات الاستفهام هذه من خلال العديد من الدراسات الأدبية حتى وجدتني في نهاية المطاف أتوجه نحو بلورتها في كتاب تنطلق أطروحته الأساسية من عدد من المثقفين البارزين سواء أكانوا علماء ام أدباء ومفكرين في الغرب هم من أصل يهودي، وان هذا الأصل قد ترك تأثيره الواضح في انتاجهم، ورغم تفاوت هذا التأثير غير انه أكثر وضوحا لدى المشتغلين بالعلوم الإنسانية. ومع تركيز الكتاب على اليهود كأفراد غير انه ينطلق في دراستهم بعلاقة الأقليات اليهودية بالمجتمعات التي عاشت فيها باعتبارها اشهر الأقليات في التاريخ الإنساني وأشدها تعقيدا في علاقتهم بهذه المجتمعات، غير أنهم تطوروا الى أقلية متميزة مع بداية عصر التنوير في أوروبا عندما سمح لهم بالاندماج فيها مما أطلق طاقتهم الإبداعية والفكرية، وان كانت انطلاقتهم في القرن التاسع عشر أخذت شكلا تصاعدياً مع القرن التاسع عشر حتى بلغوا الذروة في القرن العشرين. وقد بلغ هذا التأثير مداه بوصف الناقد الأمريكي جورج شتاينر بالقول: ان دراسة الحضارة الغربية بين عامي 1860-1960 لا معنى لها دون استيعاب المكون اليهودي. وذلك باعتبار الدول الفاعل الذي لعبته الجماعات اليهودية في تلك الفترة.
كيف يمكن قبول إطلاق اليهودية على علماء ينتمون لجنسيات مختلفة؟
- منذ القرن التاسع عشر -وكما رصدت في كتابي- واليهود علمانيون لا دنيين، والقليل منهم يتمسك بدينه لذلك فان الانتماء العرقي يبدو أسطورة في ظل تداخل الأجناس رغم حرص اليهود التاريخي على نقاء العرق، لكن ما بقي لهم هو الانتماء الاثني بالمصطلح المعاصر الذي يعني مزيجا من المؤثرات الثقافية والعرقية معا. فالمفكر الذي نصفه باليهودي هو مفكر يستشعر انتماءه عندما يعمل وان شكلت له الهوية ازمة في كثير من الاحيان، مثل المفكر المعروف فانكل كروت الذي يطرح نفسه كيهودي لكنه يعي اشكالية الانتماء، ووضعه يشبه الى حد كبير وضع المفكر الفرنسي الاشهر جاك دريدا، فهو يهودي وتعني يهوديته له الكثير، وبشهادة اصدقائه ومعاصريه فان سؤال الانتماء اليهودي عميق الجذور في فكره ومشاريعه الثقافية.
الخصوصية
في ضوء بحوثك عبر هذا الكتاب كيف حافظ اليهود على خصوصيتهم الثقافية؟
- هناك عوامل عديدة كرست امكانية الحفاظ على خصوصيتهم ومنها استشعار الهوية والوعي بأنها تشكل ازمة، وهذه الازمة ليس لها اثر لدى المفكرين الغربيين من غير اليهود، كنا نجدها لدى جورج شتاينر كنموذج للناقد اليهودي الذي يقارب هويته من زاوية اشكالية تعكس لديه قلقا دائما من احتمالات الاضطهاد، ولا يزال هذا القلق يشكل جزءا اصيلا في تكوين المفكر اليهودي ولم يستطع التخلص منه لان الهولوكست لا تزال قابعة في الذاكرة والعداء لليهود ما زال قائما، وهذا الوضع المتأزم يخلق خصوصية تؤثر في الادب والفلسفة، دليلي على ذلك ان دريدا اهتم بالهامش اكثر من عنايته بالمتن ادراكا من اليهود بأنهم هامشيون، فلا غرابة اذن ان يرى دريدا ان المتن مطارد بالهامش والمصدر الاخر لهذه الخصوصية يتصل بالموروث الديني ليس بوصفه مصدرا للاعتقاد وانما كمصدر للابداع فالتراث اليهودي التفسيري مثل التلمود والمدراش الذي استشعره نقاد لهم انتماء يهودي مثل هارولد بلوم واستثمره في قراءة الادب وتطوير نظرياته بشكل افادت منه الثقافات الاخرى. وهنا اشير الى كتاب مهم صدر اوائل الثمانينات بعنوان «قتلة موسى» تتحدث مؤلفته الامريكية الاسرائيلية عن عدد من المفكرين اليهود الذي سعوا الى التخلص من انتمائهم اليهودي بقتلهم النبي موسى لكنهم لم يتمكنوا من ذلك مما شكل لهم ازمة.
ردود أفعال عنيفة
الم تخش من يدخلك انتصارك لعطاء بعض رموز اليهود للانسانية، دائرة الشك والريبة حيال نواياك في هذا الكتاب؟
- بالطبع فانني اتوقع حدوث ردود افعال عنيفة بعد انتشار القراءات لهذا الكتاب بوصفي باحثا عربيا مسلما يمثل تناولي لهذا الموضوع مصدرا لعلامات استفهام عديدة لذلك سعيت للتعرف مبكرا على بعض ردود الافعال من خلال محاضرتين القيتهما بشأنه ووجدت انقساما بين فريقين احدهما يرى وصف المفكرين الغربيين بأنهم يهود يعد وصفا غير دقيق باعتبار جنسياتهم الغربية فضلا عن وصف يسيء لفرص الاستفادة من اعمالهم لدى القراء العرب والمسلمين وهم محقون في هذا الجانب، والفريق الآخر يرى انني لم اكن صارما في التعاطي مع هؤلاء العلماء بل تعاملت بحياد وابرزت اعجابي بعطائهم للانسانية مما يثير الشكوك حول نواياي في هذا الكتاب. وقد اوضحت لكلا الفريقين اننا نعيش وضعا حضاريا وتاريخيا يقتضي المزيد من الفهم للحضارة المعاصرة بكل وجوهها ما نحبه فيها وما لا نقبله، وعلينا ان نقارب هذا الامر بأكبر قدر من الانفتاح غير المؤدلج، انفتاح يسعى الى الفهم ولا يسارع الى اصدار الاحكام. من هنا فان دراستي لليهود تأتي في سياق دراسة جزء من حضارة الغرب بعامة، واني حاولت ملء فجوة في كيفية تعاملنا مع حضارة لا تخلو من تأثير اليهود ولا من المواقف العدائية تجاهنا. واتصور انني لست بالسذاجة التي يمكن ان يكون بحثي في هذه القضية بحثا حياديا تاما، بالتأكيد سيجد القارئ انني كشفت مرامي الجماعات اليهودية وكيف انها تعمل على تحقيق مصالح ذاتية عبر تضخيم ما اسميته بالمكون اليهودي في الحضارة الغربية، فهذه الجماعات تعمل على اعلاء شأن هذا التأثير في العالم مثلما يفعل هارولد بلوم الذي يطرح طرق التفسير اليهودية بوصفها الطرق الامثل لقراءة النصوص الادبية وغير الادبية ويوحي للقارئ بأنه اذا لم يتعرف على تراث اليهود تكون ثقافته منقوصة حتى يصل الى مراده الاساسي وهو تكريس عبقرية اليهود، وكتابي يكشف النقاب عن هذه المحاولات الدؤوبة لليهود في تحقيق مصالحهم الذاتية مما جعل دراستي نقدية وليست احتفائية باليهود كما قد يظن البعض.
المسيري
الى اي حد تتماس او تختلف ما ذهب اليه الدكتور عبدالوهاب المسيري في تعاطيه لفكر وقراءة اليهود؟
لاشك اني ادين بالفضل للدكتور المسيري الذي بذل عمره في فهم الشخصية اليهودية، لكنه وقف عند عدد كبير من التيارات اليهودية من منطلق ضعف صلتهم باليهودية، فالمسيري يرى ان صفة اليهودية لا تصلح كأداة لفهم وتفسير اعمالهم وفكرهم ومن ثم اختزل دورهم وهمشه باعتبار انتمائهم للمجتمعات الغربية المسيحية اكثر من انتمائهم لليهودية. وربما كانت رؤية المسيري هذه تنطلق من تركيزه على الجوانب السيوسوثقافية حيث اهتم بالجماعات اليهودية من زاوية علم الاجتماع، اما تجربتي البحثية في هذا الكتاب تنطلق من اتجاه يعنى بالافراد المفكرين اليهود وتفردهم واذهب فيه على عكس ما ذهب اليه المسيري، حيث ارى ان الهوية اليهودية اداة مهمة لفهم اعمالهم.
دريدا والنقاد العرب
تطرقت في حديثك الى دريدا.. فالى اي حد اثر في الثقافة العربية؟
- لا يستطيع احد انكار الاثر الذي تركه دريدا في تطور الفكر النقدي العربي الحديث، وقد المح عدد من الباحثين العرب لاثر دريدا مبكرا امثال محمد البنكي وميجان الرويلي، حتى اصبح دريدا ونظريته التفكيكية اكثر تداولا في النقد العربي المعاصر وان شاب كثير من الاطروحات العربية تجاهها الكثير من سوء الفهم الذي لا يخفى عن المتخصص، من مثل سوء فهم في تناول د.عبدالله الغذامي للتقويض تحت مسمى التشريح وشرحه له شرحا خاطئا تماما في كتابه «الخطيئة والتكفير» وان كانت هناك نماذج اخرى في العالم العربي لم تفهم تفكيكية دريدا على الوجه الصحيح مثل كمال ابو اديب.
هل تعتقد ان كتابك «المكون اليهودي» سيثير مشكلات عند المتلقي العربي غيرها عند الغربي بعد ترجمته؟
- ازعم بأنه لم يصدر كتاب في الغرب حتى الان بهذه الشمولية تجاه اليهود من الزاوية التي اخترتها، ولو قرئ الكتاب في الغرب لأحدث ردود أفعال متباينة حيث ان القارئ سيجد انني لست مع اليهود ولست ضدهم، لكني ابرز مواقف نقدية لذلك فان على الجانب الاخر ادعو القارئ العربي لنبذ الايديولوجيات جانبا حتى يقرأه بحياد يسمح باكشتاف علامات الاضاءة في فكر وابداع بعض مفكري اليهود مثل الشاعر الالماني هاينه الذي كتب قصائد عن الاندلس يتبنى فيها وجهة النظر الاسلامية ضد المسيحين لانه عانى كيهودي من الاضطهاد المسيحي فوجد شاهدا تاريخيا في الاندلس يؤكد ان المسيحين يضطهدون غيرهم ومن هنا نفهم لماذا يبرز المسلمون في قصائده بوصفهم ذوي حضارة متميزة ومثل هذه الاعمال ينبغي الاشادة بها خاصة ان ادراك الشاعر الالماني اليهودي للحضارة الاسلامية في تسامحها مع الاديان يكتسب اهمية في استيعاب جوانب اعماله لا يستطيع القارئ فهمها دون الوعي بانتماء الشاعر ليهوديته.
فيما يتوقع ان يثير هذا الكتاب الشكوك والريبة في نوايا مؤلفه، فان سطور هذا الحوار تثير اختلاف البازعي مع د. عبدالوهاب المسيري ود. عبدالله الغذامي، وهي اختلافات تعكس تعدد قراءة وتحليل المفكرين العرب لليهود فإلى تفاصيل الحوار:
من الأدب إلى الفكر
في البداية.. كيف جاءت فكرة هذا الكتاب الذي ينقلك من ميدان النقد الأدبي الى ميدان الفكر؟
- هذا الكتاب يمثل جهداً متواصلاً من البحث طيلة خمسة أعوام في الاجابة على سؤال رئيسي هو: ما هو حقيقة الحضور اليهودي في الثقافة الغربية؟ وهل هو ينتمي لليهودية بوصفها خلفية عرقية أثنية أم دينية؟ وقد شغلتني الإجابة على علامات الاستفهام هذه من خلال العديد من الدراسات الأدبية حتى وجدتني في نهاية المطاف أتوجه نحو بلورتها في كتاب تنطلق أطروحته الأساسية من عدد من المثقفين البارزين سواء أكانوا علماء ام أدباء ومفكرين في الغرب هم من أصل يهودي، وان هذا الأصل قد ترك تأثيره الواضح في انتاجهم، ورغم تفاوت هذا التأثير غير انه أكثر وضوحا لدى المشتغلين بالعلوم الإنسانية. ومع تركيز الكتاب على اليهود كأفراد غير انه ينطلق في دراستهم بعلاقة الأقليات اليهودية بالمجتمعات التي عاشت فيها باعتبارها اشهر الأقليات في التاريخ الإنساني وأشدها تعقيدا في علاقتهم بهذه المجتمعات، غير أنهم تطوروا الى أقلية متميزة مع بداية عصر التنوير في أوروبا عندما سمح لهم بالاندماج فيها مما أطلق طاقتهم الإبداعية والفكرية، وان كانت انطلاقتهم في القرن التاسع عشر أخذت شكلا تصاعدياً مع القرن التاسع عشر حتى بلغوا الذروة في القرن العشرين. وقد بلغ هذا التأثير مداه بوصف الناقد الأمريكي جورج شتاينر بالقول: ان دراسة الحضارة الغربية بين عامي 1860-1960 لا معنى لها دون استيعاب المكون اليهودي. وذلك باعتبار الدول الفاعل الذي لعبته الجماعات اليهودية في تلك الفترة.
كيف يمكن قبول إطلاق اليهودية على علماء ينتمون لجنسيات مختلفة؟
- منذ القرن التاسع عشر -وكما رصدت في كتابي- واليهود علمانيون لا دنيين، والقليل منهم يتمسك بدينه لذلك فان الانتماء العرقي يبدو أسطورة في ظل تداخل الأجناس رغم حرص اليهود التاريخي على نقاء العرق، لكن ما بقي لهم هو الانتماء الاثني بالمصطلح المعاصر الذي يعني مزيجا من المؤثرات الثقافية والعرقية معا. فالمفكر الذي نصفه باليهودي هو مفكر يستشعر انتماءه عندما يعمل وان شكلت له الهوية ازمة في كثير من الاحيان، مثل المفكر المعروف فانكل كروت الذي يطرح نفسه كيهودي لكنه يعي اشكالية الانتماء، ووضعه يشبه الى حد كبير وضع المفكر الفرنسي الاشهر جاك دريدا، فهو يهودي وتعني يهوديته له الكثير، وبشهادة اصدقائه ومعاصريه فان سؤال الانتماء اليهودي عميق الجذور في فكره ومشاريعه الثقافية.
الخصوصية
في ضوء بحوثك عبر هذا الكتاب كيف حافظ اليهود على خصوصيتهم الثقافية؟
- هناك عوامل عديدة كرست امكانية الحفاظ على خصوصيتهم ومنها استشعار الهوية والوعي بأنها تشكل ازمة، وهذه الازمة ليس لها اثر لدى المفكرين الغربيين من غير اليهود، كنا نجدها لدى جورج شتاينر كنموذج للناقد اليهودي الذي يقارب هويته من زاوية اشكالية تعكس لديه قلقا دائما من احتمالات الاضطهاد، ولا يزال هذا القلق يشكل جزءا اصيلا في تكوين المفكر اليهودي ولم يستطع التخلص منه لان الهولوكست لا تزال قابعة في الذاكرة والعداء لليهود ما زال قائما، وهذا الوضع المتأزم يخلق خصوصية تؤثر في الادب والفلسفة، دليلي على ذلك ان دريدا اهتم بالهامش اكثر من عنايته بالمتن ادراكا من اليهود بأنهم هامشيون، فلا غرابة اذن ان يرى دريدا ان المتن مطارد بالهامش والمصدر الاخر لهذه الخصوصية يتصل بالموروث الديني ليس بوصفه مصدرا للاعتقاد وانما كمصدر للابداع فالتراث اليهودي التفسيري مثل التلمود والمدراش الذي استشعره نقاد لهم انتماء يهودي مثل هارولد بلوم واستثمره في قراءة الادب وتطوير نظرياته بشكل افادت منه الثقافات الاخرى. وهنا اشير الى كتاب مهم صدر اوائل الثمانينات بعنوان «قتلة موسى» تتحدث مؤلفته الامريكية الاسرائيلية عن عدد من المفكرين اليهود الذي سعوا الى التخلص من انتمائهم اليهودي بقتلهم النبي موسى لكنهم لم يتمكنوا من ذلك مما شكل لهم ازمة.
ردود أفعال عنيفة
الم تخش من يدخلك انتصارك لعطاء بعض رموز اليهود للانسانية، دائرة الشك والريبة حيال نواياك في هذا الكتاب؟
- بالطبع فانني اتوقع حدوث ردود افعال عنيفة بعد انتشار القراءات لهذا الكتاب بوصفي باحثا عربيا مسلما يمثل تناولي لهذا الموضوع مصدرا لعلامات استفهام عديدة لذلك سعيت للتعرف مبكرا على بعض ردود الافعال من خلال محاضرتين القيتهما بشأنه ووجدت انقساما بين فريقين احدهما يرى وصف المفكرين الغربيين بأنهم يهود يعد وصفا غير دقيق باعتبار جنسياتهم الغربية فضلا عن وصف يسيء لفرص الاستفادة من اعمالهم لدى القراء العرب والمسلمين وهم محقون في هذا الجانب، والفريق الآخر يرى انني لم اكن صارما في التعاطي مع هؤلاء العلماء بل تعاملت بحياد وابرزت اعجابي بعطائهم للانسانية مما يثير الشكوك حول نواياي في هذا الكتاب. وقد اوضحت لكلا الفريقين اننا نعيش وضعا حضاريا وتاريخيا يقتضي المزيد من الفهم للحضارة المعاصرة بكل وجوهها ما نحبه فيها وما لا نقبله، وعلينا ان نقارب هذا الامر بأكبر قدر من الانفتاح غير المؤدلج، انفتاح يسعى الى الفهم ولا يسارع الى اصدار الاحكام. من هنا فان دراستي لليهود تأتي في سياق دراسة جزء من حضارة الغرب بعامة، واني حاولت ملء فجوة في كيفية تعاملنا مع حضارة لا تخلو من تأثير اليهود ولا من المواقف العدائية تجاهنا. واتصور انني لست بالسذاجة التي يمكن ان يكون بحثي في هذه القضية بحثا حياديا تاما، بالتأكيد سيجد القارئ انني كشفت مرامي الجماعات اليهودية وكيف انها تعمل على تحقيق مصالح ذاتية عبر تضخيم ما اسميته بالمكون اليهودي في الحضارة الغربية، فهذه الجماعات تعمل على اعلاء شأن هذا التأثير في العالم مثلما يفعل هارولد بلوم الذي يطرح طرق التفسير اليهودية بوصفها الطرق الامثل لقراءة النصوص الادبية وغير الادبية ويوحي للقارئ بأنه اذا لم يتعرف على تراث اليهود تكون ثقافته منقوصة حتى يصل الى مراده الاساسي وهو تكريس عبقرية اليهود، وكتابي يكشف النقاب عن هذه المحاولات الدؤوبة لليهود في تحقيق مصالحهم الذاتية مما جعل دراستي نقدية وليست احتفائية باليهود كما قد يظن البعض.
المسيري
الى اي حد تتماس او تختلف ما ذهب اليه الدكتور عبدالوهاب المسيري في تعاطيه لفكر وقراءة اليهود؟
لاشك اني ادين بالفضل للدكتور المسيري الذي بذل عمره في فهم الشخصية اليهودية، لكنه وقف عند عدد كبير من التيارات اليهودية من منطلق ضعف صلتهم باليهودية، فالمسيري يرى ان صفة اليهودية لا تصلح كأداة لفهم وتفسير اعمالهم وفكرهم ومن ثم اختزل دورهم وهمشه باعتبار انتمائهم للمجتمعات الغربية المسيحية اكثر من انتمائهم لليهودية. وربما كانت رؤية المسيري هذه تنطلق من تركيزه على الجوانب السيوسوثقافية حيث اهتم بالجماعات اليهودية من زاوية علم الاجتماع، اما تجربتي البحثية في هذا الكتاب تنطلق من اتجاه يعنى بالافراد المفكرين اليهود وتفردهم واذهب فيه على عكس ما ذهب اليه المسيري، حيث ارى ان الهوية اليهودية اداة مهمة لفهم اعمالهم.
دريدا والنقاد العرب
تطرقت في حديثك الى دريدا.. فالى اي حد اثر في الثقافة العربية؟
- لا يستطيع احد انكار الاثر الذي تركه دريدا في تطور الفكر النقدي العربي الحديث، وقد المح عدد من الباحثين العرب لاثر دريدا مبكرا امثال محمد البنكي وميجان الرويلي، حتى اصبح دريدا ونظريته التفكيكية اكثر تداولا في النقد العربي المعاصر وان شاب كثير من الاطروحات العربية تجاهها الكثير من سوء الفهم الذي لا يخفى عن المتخصص، من مثل سوء فهم في تناول د.عبدالله الغذامي للتقويض تحت مسمى التشريح وشرحه له شرحا خاطئا تماما في كتابه «الخطيئة والتكفير» وان كانت هناك نماذج اخرى في العالم العربي لم تفهم تفكيكية دريدا على الوجه الصحيح مثل كمال ابو اديب.
هل تعتقد ان كتابك «المكون اليهودي» سيثير مشكلات عند المتلقي العربي غيرها عند الغربي بعد ترجمته؟
- ازعم بأنه لم يصدر كتاب في الغرب حتى الان بهذه الشمولية تجاه اليهود من الزاوية التي اخترتها، ولو قرئ الكتاب في الغرب لأحدث ردود أفعال متباينة حيث ان القارئ سيجد انني لست مع اليهود ولست ضدهم، لكني ابرز مواقف نقدية لذلك فان على الجانب الاخر ادعو القارئ العربي لنبذ الايديولوجيات جانبا حتى يقرأه بحياد يسمح باكشتاف علامات الاضاءة في فكر وابداع بعض مفكري اليهود مثل الشاعر الالماني هاينه الذي كتب قصائد عن الاندلس يتبنى فيها وجهة النظر الاسلامية ضد المسيحين لانه عانى كيهودي من الاضطهاد المسيحي فوجد شاهدا تاريخيا في الاندلس يؤكد ان المسيحين يضطهدون غيرهم ومن هنا نفهم لماذا يبرز المسلمون في قصائده بوصفهم ذوي حضارة متميزة ومثل هذه الاعمال ينبغي الاشادة بها خاصة ان ادراك الشاعر الالماني اليهودي للحضارة الاسلامية في تسامحها مع الاديان يكتسب اهمية في استيعاب جوانب اعماله لا يستطيع القارئ فهمها دون الوعي بانتماء الشاعر ليهوديته.