من يتابع أخبار القبض على المبتزين والمتحرشين مؤخرا يلاحظ أن الجناة ما عادوا مجرد مراهقين وشباب ضائعين إنما باتوا من ضمن فئات كانت تعتبر القدوة الأخلاقية للمجتمع كالمدرسين والأطباء والرقاة والموظفين في وظائف دينية وعاملين في الجمعيات الخيرية.. وهوية هؤلاء باتت تصدم المتابع أكثر من جرائم الابتزاز بحد ذاتها، وإن دلت على شيء فهي تدل على وجود أزمة في الثقافة العامة للمجتمع حيث تشكل الانماط النفسية والعقلية والسلوكية لأفراد المجتمع، وتتمثل فيما يسمى في علم النفس بـ «التشييء الجنسي» ــ Sexual objectification ويعني النظر للطرف الآخر على أنه مجرد شيء أو غرض جنسي لقضاء الشهوة بشكل يجرده من ماهيته الإنسانية الكلية، ففي الخطاب الوعظي يتحدث البعض عن المرأة على أنها مجرد شهوة خطرة وليس كإنسان له أبعاد أخرى فكرية ونفسية وروحية وعملية وحضارية، وهذا أدى لأثر عكسي جعل المرأة مجرد «شيء جنسي» بنظر فئات المجتمع خاصة مع التركيز على اختزال الرجل والمرأة إلى المستوى الحيواني المحض بصيغة «ذئب ونعجة» التي تؤدي لبرمجة اللاوعي والنفسية الجماعية على أن نمط التصرف الوحيد للذئب «الرجل» عندما يرى نعجة «فتاة» هو السعي لافتراس شهوته منها بالابتزاز والتحرش والاغتصاب ليتفاخر بنجاحه بالافتراس كإثبات على أنه «ذيب» وهذا وللمفارقة مصطلح مديح بالثقافة الشعبية! وغياب قانون يحدد عقوبة رادعة لهذة الجريمة ساهم في مفاقمة هذه الأزمة الأخلاقية الثقافية الخطيرة، ولهذا أقل الدول معاناة من ظاهرة التحرش هي التي لديها القوانين الأكثر تشددا في العقوبات على أنواع التحرش بما في ذلك اللفظي. وللفتيات اللاتي يحاولن تقليد ما يرينه على الشاشات من قصص حب؛ فالرجل السعودي عندما يريد الزواج لا يتزوج من فتاة كان له علاقة مسبقة بها.