-A +A
نجيب الخنيزي
هناك نقد يطال بعضا من وزارات الخدمة العامة، وغالبا ما نجد صداها في الصحافة ومن قبل كثرة من المواطنين، بل ويقر بها العديد من المسؤولين، وهو ما يطرح بصورة جدية مدى نجاعة ومواءمة خطط التنمية لمواجهة استحقاقات التطوير والتقدم وبناء المجتمع الحضاري الحديث. بطبيعة الحال لا يمكن تجاهل ما تحقق في بلادنا طيلة الفترة الماضية من منجزات ومشروعات تنموية هامة في المجالات والمرافق المختلفة مستفيدة من فترة «الفورة النفطية» والسيولة المالية، وكانت الانطلاقة سريعة نسبيا، وشملت مشروعات البنية التحتية كالطرق والجسور والموانئ والمطارات ومحطات الطاقة والتحلية، كما طالت قطاع الخدمات من تعليم وصحة وإسكان واتصالات، وقد رافق ذلك سن وتطوير تشريعات وأنظمة إدارية لتنظيم وتفعيل عمل مختلف المرافق والإدارات، بما يحقق الغاية المرجوة في زيادة الكفاءة والحيوية، وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين. وعلى الرغم من أن بعض المرافق الخدماتية بدأت متميزة في أدائها، إلا أن قطاع الخدمات ظل على وجه العموم مقصرا عن القيام بتجسيد المهام المرسومة له أو الأعمال المناطة به، واستمر المواطن العادي في إحساسه إزاء هذه المرافق والإدارات والأجهزة، حيث بدت العديد من المرافق الحيوية وكأنها تتآكل قبل الأوان، وبدأت المشكلات والسلبيات تطفو على السطح، حيث عجزت المرافق التعليمية والصحية والإسكان والبلدية وغيرها من تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان مع نمو سكاني يقدر بـ2.7 % سنويا. لقد تدنت نوعية ومستويات العديد من الخدمات المقدمة للمواطنين، كما تقلصت نسبة المستفيدين منها إلى درجة مقلقة من شأنه تهديد مستقبل التنمية وإبطاء عملية التطور والتقدم في بلادنا، والغريب أن المشكلة تتفاقم في ظل ازدياد العائدات المالية للدولة، وارتفاع بنود الإنفاق في الموازنة، والتي تشمل قطاع الخدمات بصورة غير مسبوقة. هناك من يرى بأن جوهر المشكلة يكمن في غياب خطط تنموية تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الفعلية للمجتمع، وتحدد سلم الأولويات التي يأتي الإنسان (المواطن) في مقدمتها، باعتباره أداة وأساس التنمية المستدامة، وهو ما أكدت عليه التجارب الناجحة في البلدان والمجتمعات المتطورة وبعض البلدان النامية، التي انطلقت من أن التنمية البشرية هي الأساس في إحراز قصب السبق في التطور والتقدم الحضاري والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي. وعليه فإن المشاكل التي يعانيها مجتمعنا لا تكمن في عدم تفعيل وتطبيق الأنظمة والقواعد والإجراءات أو الالتفاف والتحايل عليها من منطلقات بيروقراطية أو نفعية خاصة فقط، بل في عدم تطوير وغربلة هذه الأنظمة والقواعد بصورة مستمرة، وإخضاعها لمنطق التجربة والخطأ والصواب من خلال الممارسة الحية على أرض الواقع، ومن خلال تفعيل دور المواطن المنتفع بهذه الخدمة أو تلك. فدور المواطن في المشاركة وإبداء الرأي في كل أمر يخصه وصولا إلى تعديل أو صياغة أنظمة وإجراءات أو إعادة هيكلة تستجيب للتطورات والمعطيات الجديدة هو ما يضفي نوعا من الشفافية والمكاشفة والمصارحة والتفاعل الخلاق المثمر والاستجابة الواعية المتبادلة من قبل المسؤول والمواطن على حد سواء، و كما هو معروف ليست هناك أنظمة وإجراءات أبدية. وقطاع الخدمات هو أهم مدخلات التنمية على الرغم من كل حسابات وتنظيرات صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي تدعو إلى استقالة الدولة عن القيام بدورها الاقتصادي ووظيفتها الاجتماعية وتغييب البعد الإنساني والبعد الاجتماعي في العملية الاقتصادية/ التنموية. ويأتي في مقدمة المهام المطلوبة لتصحيح وتطوير قطاع الخدمات ومن بينها التعليم والصحة والإسكان القيام بسن وتطوير الأنظمة والقواعد المعمول بها وتحقيق إصلاح إداري حقيقي يستفيد من إيجابيات وسلبيات الأنظمة والقوانين المعمول بها، ويشارك في صياغتها ومناقشتها مجلس الشورى واللجان المتخصصة والمواطنون أنفسهم، وتستند هذه الإجراءات والأنظمة إلى الأبعاد الوطنية والعلمية والاجتماعية والإنسانية في آن معا.
غير أن ذلك يتطلب في المقام الأول تغيير العقلية التي تدير وتطبق هذه القوانين والأنظمة والإجراءات، فالحياة والتجربة العملية تؤكدان على أن النظام والقانون إن وجدا فهما سلاح ذو حدين، إذ بالإمكان استخدامهما في خدمة المواطن والإنسان بصورة نزيهة ومحايدة وإيجابية، ولهما تأثير سلبي إذا حضرت الممارسات الكريهة كالمحسوبية والتلاعب بالأنظمة والتسيب والإهمال وفقا للأمزجة والمصالح الفردية الضيقة وغير المشروعة أو استغلال النفوذ لغايات غير شريفة، مثل التعدي على المال العام والاختلاس والرشوة وغيرها من مظاهر الفساد. ومن الواضح أنه لا يمكن تحقيق أي أداء فعال في أي مجال أو قطاع خدماتي أو غير خدماتي إذا اعتقد المسؤول أو الموظف العادي بأنه لا يساءل أو يحاسب في حال قيامه بالتقصير والتجاوز أو استغل موقعه ــ أيا كان ــ لأغراض وأهداف شخصية، ففي هذه الحال فإن الضرر سيكون عاما ومشتركا.