الأنثى المقصودة هنا هي أنثى البعوض التي تعتبر من أشرس الكائنات الحية حيث إنها، بخلاف ذكر البعوض، هي التي تلدغ بني الإنسان وتنقل إليهم كافة الأوبئة التي تفتك بهم مثل الملاريا وحمى الضنك والحمى الصفراء وحمى الوادي المتصدع وحمى غرب النيل والشيكوجونيا وكثير غير ذلك. يفوق أذى هذه الحشرة بمراحل عديدة أذى السباع والوحوش الضارية التي كافحها الإنسان منذ بداية تواجده على هذه البسيطة. وليس معنى هذا أنه لا يصيبني الهلع أحيانا من أناث أخريات خاصة من بنات حواء، ولكن هذا موضوع آخر.
أكتب عن أنثى البعوض بمناسبة يوم الصحة العالمي لهذا العام الذي خصص للتعريف بنواقل المرض وطرق مكافحتها وشعاره (مخلوقات صغيرة، تهديد كبير). تفتك الأمراض التي تنقلها الحشرات مثل البعوض والقراد والقمل وذباب الرمل أو القواقع التي تنقل البلهارسيا بما يزيد عن مليون شخص سنويا أغلبهم في الدول النامية وتصيب عشرات الملايين بأمراض هامة وإعاقات مختلفة.
أكتفي هنا بالحديث عن البعوض لأنه الناقل الأوسع انتشارا والأكبر ضررا بل هو القاتل الأكبر بين كافة الحيوانات. تهاجم أنثى البعوض الإنسان والحيوانات الفقارية لامتصاص كمية من الدم الذي يشكل لها وجبة غنية بكافة المغذيات التي تساعدها على إنتاج البيض، وهي بذلك تقوم بمهمة أساسية لتكاثر وحفظ نوعها (أي نوع البعوض) بينما يكتفي ذكر البعوض بالتغذي على رحيق الأزهار.
وقد استغلت كافة المكروبات أنثى البعوض كمركبة للانتقال من كائن إلى آخر، فأصبحت تتكاثر في البعوضة وتستغل لدغتها للوصول إلى دم المصاب ولذلك فإن العتب لا يقع بالكامل على البعوضة وحدها بل يشترك فيه المكروب باعتباره المسبب المباشر للمرض. ولا شك أن البعوضة خدمت هذه المكروبات خدمة كبيرة فنقلتها عبر مسافات كبيرة على سطح الكرة الأرضية وحققت لها الانتشار الواسع. تطورت خواص أنثى البعوض لتناسب مهمتها الهجومية بشكل مدهش فأصبحت تفوق خواص أفضل طائرة نفاثة محاربة.
تملك الأنثى إمكانيات دقيقة لاستشعار موقع ضحيتها عن بعد بواسطة المواد التي تطلقها الضحية مثل ثاني أكسيد الكربون وغيره من مواد كيميائية أو بواسطة حرارة الجسم أو الرؤية المباشرة للضحية، وتعرف البعوضة كيف تهاجم وتلدغ بسرعة فتحقن جلد الضحية بلعابها الذي يهيج أنسجة الجسم لجذب الدم إلى مكان اللدغة وكذلك فإنه يمنع تجلط الدم حتى تتمكن البعوضة من شفط كفايتها منه. تهرب البعوضة بخفة قبل أن تتمكن الضحية من البطش بها أو أحيانا، حتى من رؤيتها. كم من ليلة أيقظتنى بعوضة وطردت النوم من عيني وهي تضرب بأجنحتها بمعدل 300 ــ 600 مرة في الثانية قرب أذني فأحس وكأنني أتعرض لغارة جوية كاسحة.
لم تمنعها كافة الاحتياطات التي جهز بها المنزل من نوافذ زجاجية محكمة الإغلاق ومزودة بالسلك ذي الثقوب الدقيقة وحتى من أجهزة مكافحة البعوض الكهربائية من أن تجد طريقها إلى الداخل بوسيلة أو أخرى. كثيرا ما أفقد أعصابي وأدخل معها في مطاردة خاسرة. غالبا ما أضطر لرش الغرفة بالمبيد الحشري والانتظار بالخارج حتى يختفي أثر المبيد مضحيا بأحلى ساعات النوم، وأحيانا لا يسعني الانتظار فأضطر للعودة راجيا أن يكون ضرر المبيد المتبقي أخف من ضرر البعوضة الشرسة.
كثيرا ما أفكر في العودة إلى أيام الناموسيات لتحقيق قدر من النوم الهادئ. في الأوقات النادرة التي يحالفني فيها الحظ بقتل بعوضة أجد في قتلها متعة كبيرة خاصة إذا كانت قد شفطت كمية من دمي وهو ما يجعل حركتها أبطأ ويمكنني أحيانا من قتلها.
تنتابني الوساوس وأتساءل : هل تحمل هذه البعوضة فيروس الضنك أم فيروسا آخر أو طفيلية أخرى ؟ بعد كم يوم يا ترى سترتفع درجة حرارتي وتنتاب مفاصلي الالتهابات والأوجاع ؟ إذا صادفني الحظ وقتلت بعوضة أنظر إليها بتمعن متسائلا: هل هي من نوع الكيولكس أم من نوع الإيديس الناقلة للضنك ؟ قديما كانت الحمى الصفراء تثير الرعب في كافة دول العالم إلى أن تم اكتشاف لقاح فعال للفيروس المسبب لها، ومع ذلك لا زال هذا الوباء يستوطن بعض دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية. الملاريا دوخت العالم ولا زالت تفتك بأكثر من 600 ألف طفل كل عام في أفريقيا وحدها. الثنائي الرهيب من طفيلية البلازموديوم مع بعوضة الأنوفيليس نجح في مقاومة كل جهود البشرية لاستئصال هذا الوباء حيث قاومت الطفيلية كافة الأدوية المستعملة، بينما لم يفلح العلم في إيجاد لقاح لها.
في نفس الوقت قاومت البعوضة الناقلة للمرض مختلف المبيدات المستعملة في رش الحشرات البالغة أو اليرقات في أماكن تكاثرها في المياه الراكدة.
لا تزال الحرب على أشدها رغم استعمال وسائل مبتكرة مثل الناموسيات المعالجة بالمبيد الحشري وغير ذلك. ولا تزال الملاريا موجودة ليس فقط في المناطق الاستوائية أو الفقيرة بل حتى في بلاد غنية مثل بلادنا رغم تراجعها إلى القرى النائية في عسير وجيزان بعد جهود مضنية أدت إلى استئصالها من المدن الرئيسة. وعوضا عن الملاريا جاءتنا حمى الضنك التي تنقلها بعوضة الإيديس والتي تعتبر حاليا أكثر الأمراض التي تنقلها الحشرات انتشارا في العالم. دوخت بعوضة الإيديس أمانة مدينة جدة وسكانها بوجه خاص وصرفت المليارات لمحاربتها دون جدوى. وهناك أمثلة كثيرة على مناطق مختلفة من العالم تعاني من أمراض ينقلها البعوض والنواقل الأخرى. رسالة منظمة الصحة العالمية هذا العام تركز على كيفية مكافحة هذه النواقل. هل هناك من الشجعان من لا يخاف من أنثى دوخت البشرية كلها على مدى العصور ؟
أكتب عن أنثى البعوض بمناسبة يوم الصحة العالمي لهذا العام الذي خصص للتعريف بنواقل المرض وطرق مكافحتها وشعاره (مخلوقات صغيرة، تهديد كبير). تفتك الأمراض التي تنقلها الحشرات مثل البعوض والقراد والقمل وذباب الرمل أو القواقع التي تنقل البلهارسيا بما يزيد عن مليون شخص سنويا أغلبهم في الدول النامية وتصيب عشرات الملايين بأمراض هامة وإعاقات مختلفة.
أكتفي هنا بالحديث عن البعوض لأنه الناقل الأوسع انتشارا والأكبر ضررا بل هو القاتل الأكبر بين كافة الحيوانات. تهاجم أنثى البعوض الإنسان والحيوانات الفقارية لامتصاص كمية من الدم الذي يشكل لها وجبة غنية بكافة المغذيات التي تساعدها على إنتاج البيض، وهي بذلك تقوم بمهمة أساسية لتكاثر وحفظ نوعها (أي نوع البعوض) بينما يكتفي ذكر البعوض بالتغذي على رحيق الأزهار.
وقد استغلت كافة المكروبات أنثى البعوض كمركبة للانتقال من كائن إلى آخر، فأصبحت تتكاثر في البعوضة وتستغل لدغتها للوصول إلى دم المصاب ولذلك فإن العتب لا يقع بالكامل على البعوضة وحدها بل يشترك فيه المكروب باعتباره المسبب المباشر للمرض. ولا شك أن البعوضة خدمت هذه المكروبات خدمة كبيرة فنقلتها عبر مسافات كبيرة على سطح الكرة الأرضية وحققت لها الانتشار الواسع. تطورت خواص أنثى البعوض لتناسب مهمتها الهجومية بشكل مدهش فأصبحت تفوق خواص أفضل طائرة نفاثة محاربة.
تملك الأنثى إمكانيات دقيقة لاستشعار موقع ضحيتها عن بعد بواسطة المواد التي تطلقها الضحية مثل ثاني أكسيد الكربون وغيره من مواد كيميائية أو بواسطة حرارة الجسم أو الرؤية المباشرة للضحية، وتعرف البعوضة كيف تهاجم وتلدغ بسرعة فتحقن جلد الضحية بلعابها الذي يهيج أنسجة الجسم لجذب الدم إلى مكان اللدغة وكذلك فإنه يمنع تجلط الدم حتى تتمكن البعوضة من شفط كفايتها منه. تهرب البعوضة بخفة قبل أن تتمكن الضحية من البطش بها أو أحيانا، حتى من رؤيتها. كم من ليلة أيقظتنى بعوضة وطردت النوم من عيني وهي تضرب بأجنحتها بمعدل 300 ــ 600 مرة في الثانية قرب أذني فأحس وكأنني أتعرض لغارة جوية كاسحة.
لم تمنعها كافة الاحتياطات التي جهز بها المنزل من نوافذ زجاجية محكمة الإغلاق ومزودة بالسلك ذي الثقوب الدقيقة وحتى من أجهزة مكافحة البعوض الكهربائية من أن تجد طريقها إلى الداخل بوسيلة أو أخرى. كثيرا ما أفقد أعصابي وأدخل معها في مطاردة خاسرة. غالبا ما أضطر لرش الغرفة بالمبيد الحشري والانتظار بالخارج حتى يختفي أثر المبيد مضحيا بأحلى ساعات النوم، وأحيانا لا يسعني الانتظار فأضطر للعودة راجيا أن يكون ضرر المبيد المتبقي أخف من ضرر البعوضة الشرسة.
كثيرا ما أفكر في العودة إلى أيام الناموسيات لتحقيق قدر من النوم الهادئ. في الأوقات النادرة التي يحالفني فيها الحظ بقتل بعوضة أجد في قتلها متعة كبيرة خاصة إذا كانت قد شفطت كمية من دمي وهو ما يجعل حركتها أبطأ ويمكنني أحيانا من قتلها.
تنتابني الوساوس وأتساءل : هل تحمل هذه البعوضة فيروس الضنك أم فيروسا آخر أو طفيلية أخرى ؟ بعد كم يوم يا ترى سترتفع درجة حرارتي وتنتاب مفاصلي الالتهابات والأوجاع ؟ إذا صادفني الحظ وقتلت بعوضة أنظر إليها بتمعن متسائلا: هل هي من نوع الكيولكس أم من نوع الإيديس الناقلة للضنك ؟ قديما كانت الحمى الصفراء تثير الرعب في كافة دول العالم إلى أن تم اكتشاف لقاح فعال للفيروس المسبب لها، ومع ذلك لا زال هذا الوباء يستوطن بعض دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية. الملاريا دوخت العالم ولا زالت تفتك بأكثر من 600 ألف طفل كل عام في أفريقيا وحدها. الثنائي الرهيب من طفيلية البلازموديوم مع بعوضة الأنوفيليس نجح في مقاومة كل جهود البشرية لاستئصال هذا الوباء حيث قاومت الطفيلية كافة الأدوية المستعملة، بينما لم يفلح العلم في إيجاد لقاح لها.
في نفس الوقت قاومت البعوضة الناقلة للمرض مختلف المبيدات المستعملة في رش الحشرات البالغة أو اليرقات في أماكن تكاثرها في المياه الراكدة.
لا تزال الحرب على أشدها رغم استعمال وسائل مبتكرة مثل الناموسيات المعالجة بالمبيد الحشري وغير ذلك. ولا تزال الملاريا موجودة ليس فقط في المناطق الاستوائية أو الفقيرة بل حتى في بلاد غنية مثل بلادنا رغم تراجعها إلى القرى النائية في عسير وجيزان بعد جهود مضنية أدت إلى استئصالها من المدن الرئيسة. وعوضا عن الملاريا جاءتنا حمى الضنك التي تنقلها بعوضة الإيديس والتي تعتبر حاليا أكثر الأمراض التي تنقلها الحشرات انتشارا في العالم. دوخت بعوضة الإيديس أمانة مدينة جدة وسكانها بوجه خاص وصرفت المليارات لمحاربتها دون جدوى. وهناك أمثلة كثيرة على مناطق مختلفة من العالم تعاني من أمراض ينقلها البعوض والنواقل الأخرى. رسالة منظمة الصحة العالمية هذا العام تركز على كيفية مكافحة هذه النواقل. هل هناك من الشجعان من لا يخاف من أنثى دوخت البشرية كلها على مدى العصور ؟