-A +A
نايف الرشدان
قبل عدة سنوات، تابعت مشهدا لا يمكن أن أنساه، وهو منظر ترك لدي أثرا كبيرا، وذلك حين كنت أشاهد مباراة في الدوري الإسباني، وكان خلالها «صاموئيل اإيتو» النحلة السمراء موهبة كروية مشعة بالإبداع، ثاني أشهر لاعب عرفته الكاميرون بعد روجيه ميلا ومشتركا مع حارسها العملاق «نكونو»، ذلكم النجم النحيل يقدم مهارته وينفق مواهبه أمام حشد لم يكن ليقدر هذه القيم الفنية والمهارات الراقية، كان قدره أن يكون أسمر البشرة، وأن يكون في مواجهة جمهور لم ينظر إلى براعته وفنونه، بل نظر إلى دمه ولونه، في تلكم المباراة كان برشلونة يؤدي عرضا أقل من مضيفه ريال سرقسطة، لكن سوأة جماهيره أصابت الفريق في مقتل، حيث كانت المباراة في المنحنى الخطير، عندما أراد «إيتو» أن يباشر ركلة الزاوية، فإذا بالملعب يضج عن بكرة أبيه بهتافات العار والويل والثبور لأصحاب البشرات الداكنة، كان الصوت مخجلا في جنبات الملعب، ما اضطر (إيتو) إلى الخروج من الملعب رافضا إكمال المباراة في حضرة ذلكم الطوفان الأهوج، وأحاط سوار من اللاعبين بمعصم الفريق «إيتو» محاولين تطييب خاطره، وكان أكثرهم تأثرا وأسفا المهاجم البرازيلي «ايورتونو» نجم سرقسطة الذي حاول طمأنة إيتو بأن شيئا شبيها بهذا الأمر يحدث له باستمرار، وأنه عانى من هذا التمايز، وهو يقول له: (لا تبتئس نحن لا نملك البياض لكننا نملك الموهبة)، وكان تدخل الحكم الناجح الخبير فيكتور توريس مجديا عندما طالبه بالعدول عن رأيه حتى اقترب رونالدينهو أعظم لاعب كرة في العالم الملون بأسره، ثم آوى إليه رفيق دربه هامسا في أذنه: (الأفعال أقوى من الكلمات)، مشعرا إياه بأن من يثأر لإهانة صغيرة يتعرض لإهانات كبيرة، وسكت الغضب عند «إيتو» بعد أن كاد ذلك الماهر النافر أن يترك الملعب، فكان لعودته ميلاد هدية صاحبه الناصح، حيث قدم له هدفا مؤثرا رادا فيه على جماهير العنصرية، ليحتفل نجوم البرشا بكل احترام، حيث التفوا بشكل أخوي حول «إيتو»، وكأنهم يريدون أن يفهموه بأنهم أقرب إليه من حدود نظره التي تصيبه بالعشى والدوار، ثم قام إيتو بإهداء كرة ماكرة جميلة ويانعة للنجم اللاتيني السويدي كلارسون ليقدم الهدف الثاني تحية للجمهور الذي غادر الملعب بعد هتافات معادية للسامية والحامية والأخلاقية، غادروا وعلى رؤوسهم شتائم تشف عن عنصرية بغيضة كريهة، في مقابل احتفال مهذب وبريء من لاعبي البرشا الذين لم يمدوا ألسنتهم تشفيا ليلعقوا لذة الانتصار، ومع صافرة الحكم النهائية اتجه بعض لاعبي سرقسطة للاعتذار عن سوءات الجماهير، فتقبلها النجمان الأسمران بصدر رحب، جاءت الهزيمة لتؤكد أن المواهب أعلى صوتا من ضجيج الشعارات، لقد كانت المباراة تشي بفوز ساحق لسرقسطة نظير الأداء اللافت والمستوى المتميز، لولا أنه مع هذا التحول المفاجئ بفعل الهتافات الخرقاء هبطت الأهداف من السماء عقوبة عادلة لتلجم جماهير العنصرية، في حين كانت دفعة معنوية قوية لإيقاظ صهيل الشجاعة عند نجمي البرشا الأسمرين، نعم لم يلتفت إيتو للعداء اللفظي، لكنه التفت جيدا لفولتير وهو يشير إلى أن: «المنافس البائس ليس جديرا بالانتقام»، وتجاهل أن يكون في الملعب من هم أعداء ألداء؛ لأنه كان يقرأ في لوحة الاستاد صوت فكتور هوجو من بعيد وهو يردد: «ليس لدي أعداء عندما يكونون بؤساء!!».
إيتو لم يرد على العنصرية إلا برفض الإباء وصمت الاحتجاج وبنبذها، لكنه أصدر عقوبات خاصة بهزيمة تلك الجماهير الممتلئة غيظا بالازدراء العرقي.

حاول ألا تصغي لهمس الحاقد وألا تجيب على صراخ الحاسد.