-A +A
أدار الندوة : خالد مقبول

أكد الأطباء المشاركون في ندوة «كورونا» التي عقدتها «عكاظ» لمناقشة فايروس كورونا وبداية ظهـوره وانتشاره وأساليب التصدي لهذا المرض وأمثاله من الأمراض الفيروسية ومنع التوسع في انتشاره، والتعامل معه على مستوى الأفراد في المجتمع وعلى المستوى الصحي.. وأشاروا إلى أن هذا المرض لازال حديثا ولم يكتشف إلا مؤخرا وليس هناك أبحاث أو أساليب سابقة ومعروفة للتعامل معه بشكل واضح، ولكنه يظل من الأمراض الفيروسية التي يجب التعامل معها بشكل سريع، وأكدوا على أهمية تبادل المعلومات والبيانات بشكل مستمر بين الاختصاصين من الأطباء لأن هذه المعلومات وما يتوفر من بيانات مخبرية وسريرية تساعدهم على التعامل معه بصورة فعالة، كما أكدوا على أهمية الشفافية في التعاطي الإعلامي وتوضيح الصورة الحقيقية منعا للإشاعات من ناحية وتثقيف وتوعية الناس بصورة صادقة وسليمة. وطالبوا بإشراك جميع الجهات والأطباء المتخصصين والاستفادة من التجارب السابقة في التعامل مع الأمراض الفيروسية التي ظهـرت في السنوات السابقة مثـل انفلونزا الخنازير وانفلونزا الطيور، وأخذ التدابير اللازمة مثل إنشاء غرف عمليات مشتركة يشارك فيها جميع الجهات الصحية على مستوى المملكة وأصحاب الاختصاص، كما أكدوا على أهمية التوعية فيما يتعلق بالتعامل مع المرض وتشكيل فرق علمية إعلامية للكشف عن الحقائق أولا بأول..

وإلى تفاصيل الندوة:



يذكر الدكتور نـزار باهبري بداية ظهور المرض ويقول إنه تم اكتشافه من قبل طبيب في أحد المستشفيات الخاصة عن طريق الصدفة عندما أخذ عينة من مريض جاء إلى المستشفى بالتهاب في الرئة ولم يكن أحد يعلم شيئا عن المرض وتعاملوا مع الحالة على أنها التهاب رئوي وأرسل الطبيب العينة إلى المعمل في هولندا للتحليل وأثبتت التحاليل الإصابة بالمرض ومن هنا كانت بداية معرفته ثم ظهرت حالات أخرى.

من جانبه يشير الدكتور عبد القادر تنكل إلى أن منظمة الصحة العالمية قالت إنه تم التعرف على المرض في شهر سبتمبر 2102 ؛ وسمي بمتلازمة الشرق الأوسط، إذن فهو مرض جديد، وتم اكتشافه لدينا، وقمنا بأبحاث كثيرة على الفيروس، وبالتالي فإن وجود 249 شخصا مصابا بالمرض هو شأن بالغ الأهمية وذلك مقارنة بالدول الأخرى التي اكتشفت فيها حالات معدودة وأن العالم العربي فيه حوالى 400 حالة، فالحقيقة إن المملكة جادة في مواجهة المرض، وربما في دول أخرى حالات لم تعرف لأن التركيز هنا أكبر، أما بالنسبة لاستقدام خبراء عالميين فأرى أنه من المفترض بداية الاستعانة بالخبراء المحليين لأنهم كونوا الخبرة العلمية التراكمية عن المرض منذ أول ظهوره ويجب أن نستثمر هذه الخبرة لرسم خارطة لمكافحة هذا المرض.



استراتيجية وطنية

وطالب الدكتور منصور الطبيقي و الدكتور محمد حلواني باستراتيجية وطنية يشارك فيها الأطباء والاستشاريون المتخصصون وهم يرون أن مشاركتهم وتواجدهم في مواجهة مثل هذه الأمراض واجب وطني يعتزون بالقيام به، فينبغي التباحث بين هؤلاء المتخصصين وعقد اللقاءات بينهم للوصول إلى تصور واضح ومحدد وخطة وطنية في هذا الاتجاه سواء في طرق المكافحة أو الوقاية أو العلاج ويمكن أن يستفيد منها الآخرون فيما بعد.

ويتساءل الدكتور منصور الطبيقي عن حالة الخوف التي انتشرت بين الناس وذلك على خلفية الإصابات التي تزايدت خلال فترة وجيزة هنا وهناك وبعضها لأطباء وعاملين في القطاعات الصحية.

ويضيف «ما زلت أقول إن جدة بحاجة إلى تشغيل المستشفيات الجديدة والمزيد من المنشآت الصحية وأسرة العناية المركزة، كذلك لا بد من توضيح الحقائق حول طبيعة المرض والفيروس ودورة حياته وطريقة العدوى والاحترازات الوقائية واتباع الإرشادات والسلوك الصحي، كما أود أن أشير إلى دراسة قامت بها وزارة الصحة عام 2013 تضمنت 23 حالة مصابة وتوصلت إلى أن المرض ينتقل من شخص إلى آخر وهي جديرة بالاهتمام والتبسيط».



تحور الفيروس

ويتداخل الدكتور قاضي العقيلي برؤيته ويقول: إن هذه القضية لها جانبان الأول علمي والآخر إعلامي، وبالنسبة إلى الجانب العلمي فالوزارة تعاملت مع الموضوع ولكن في حالة الضغط الإعلامي والاجتماعي قد تكون هناك أخطاء، والوزارة بها علماء متخصصون، ولكني أقول إن المشكلة هنا تكمن في أن الوزارة لم تشرك معها أحدا من داخل المملكة فهنا قامات كبيرة في علم الفيروسات، والتعامل مع مثل هذا المرض ليس بجديد فهو نوع جديد من سلالة الفيروسات، وتصوري الشخصي أنها من الفيروسات التي غيرت أنماطها، وقد يكون هذا الفيروس موجودا من قبل وبنمط مختلف ولم يكتشف إلا مؤخرا، وتظل المعضلة الآن في كيفية انتقاله، وهل ينتقل من الحيوان إلى الإنسان، فإذا كان كذلك فمن هو الخازن لهذا الفيروس؟، فمرة نقول: «الخفاش» وأخرى الجمل أو غيرها، وذلك عامل مهم جدا، فيجب إشراك الطب البيطري في الإجابة على هذا السؤال.. ثالثا، كانت توجد أمراض خطيرة جالت العالم كله كالكوليرا، التي أزهقت أرواح الكثيرين وكحمى الوادي المتصدع وحمى الضنك وانفلونزا الطيور والخنازير وغيرها وتم التعامل معها، والشيء الذي قد يؤخذ على وزارة الصحة أنها لم تأتِ بالخبرات السابقة للوزارة والوزراء السابقين؛ للاستفادة من طريقة مواجهتهم للأزمات والأمراض الوبائية التي تعاملوا معها في السابق، وكيف أخفقوا في معالجة البعض الآخر. والمطلوب تكوين فريق عمل من المسؤولين الكبار لمواجهة الفيروس، ولا نستطيع أن ننكر أن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أبرزت المشكلة وظهرت بهذا الزخم، الجانب الآخر الذي أريد تناوله هو الجانب الإعلامي أيضا، فوزارة الصحة أخفقت في التعامل مع هذا الجانب فأصبح يكتب عن القضية من يعرف ومن لا يعرف، وأتمنى من الوزارة أن تكون فريقا علميا وإعلاميا له خلفية صحية يتواجد في كل الأوقات والظروف، بجانب الفريق العلمي في غرفة عمليات واحدة مكونة من علماء وإعلاميين ينقلون الحقائق أولا بأول، وكنت أتمنى من وكيل وزارة الصحة للطب الوقائي عندما ظهـر المرض في الأحساء أن يتواجد هناك، وعندما انتقل إلى جدة يتواجد فيها بصورة دائمة مع فريق العمل.



فـرق عمـل

ويؤكد الدكتور ياسر سلامة أنه ولمواجهة هذا الفيروس يجب إشراك جميع المتخصصين المعنيين في كل الجهات بحيث يتم تكوين فريق عمل من عدة جهات لإدارة الأزمة يوفر له كل الصلاحيات الإدارية وغيرها من الصلاحيات المرتبطة بالجهات الأخرى فالمرض أصاب قيادات صحية في الميدان، ويجب أن نعترف أولا أننا نواجه عدوا ومشكلة حقيقية أيا كانت في مدى خطورة هذه المشكلة أو تصنيفها، ومن هنا يبدأ التعامل، ومن ثم تبدأ الفرق البحثية والإحصائية العلمية والكشفية المتابعة لخط سير المرض مع الفرق التوعوية والتثقيفية والإعلامية.

ويعلق الدكتور نزار باهبري على السؤال حول كيفية انتشار المرض ويقول: هناك أشياء كثيرة لاتزال غير معروفة، فأول مريض مصاب بالفيروس الذي كان في أحد المستشفيات المعروفة جاء بالتهاب في الرئة ودخل المستشفى، والمستشفى لا يعلم ما هي الحالة التي يتعامل معها وذلك لأن المصاب دخل العناية المركزة، ولم يكن هناك أي نوع من المعرفة بالمرض، وكان يزيد عدد المرافقين والزوار لهذا الرجل في الغرفة أكثر من 38 شخصا، ولم تنتقل العدوى بينهم، والوزارة أخذت عينات من هؤلاء جميعا ولم تسجل لديهم أي إصابة بالمرض.



تحليل يومي

وترى الدكتورة نهى دشاش أن هناك جانبا مهما في مواجهة أي فيروس إذ يجب أن يتم تحديد حجم المشكلة من قبل الجهة المسؤولة «وزارة الصحة» ؛ ويتم نقل الحقائق إلى الجماهير بالشفافية والتهيئة العلمية وشرح التفاصيل، فالوزارة لم تصارح الناس بالحقيقة، وهنا يجب أن أؤكد على إشراك المتخصصين في طب المجتمع والوبائيات في منظومة متكاملة بجانب الخبراء الأجانب، كما أن هناك ملحوظة يجب طرحها وهي أنه لا أحد يعرف ماهي المعلومات التي تصب في غرفة العمليات الآن، ولكن المعروف لنا أن الفيروس موجود ولا نعرف تحديدا إلى أي مدى وصل وضعه ويجب أن يتوفر تحليل وبيانات يومية للأعراض والحالات أولا بأول وتكون في متناول الأطباء المتخصصين ليستفيدوا منها، ونحن بحاجة إلى تواصل علمي دقيق سواء في أقسام الطوارئ أو في المستشفيات والمراكز الصحية لمعرفة الأعراض سواء في جدة أو في أي منطقة أخرى. القضية الأخرى أنه بالنسبة إلى الأوبئة السابقة «كحمى الضنك مثلا » كانت هناك لجنة مشتركة من كل القطاعات الحكومية وتمت الاجتماعات مع الجميع ولكن في وضع مرض كورونا لا يوجد لدينا أبحاث أو معلومات متوفرة أو سابقة، ونحن في وضع جديد نريد معرفة معلومات وبيانات جديدة ومحدثة باستمرار ولا ننتظر الأبحاث والدراسات التي ربما تأخذ وقتا طويلا.



طبيعة الفيروس

ويشير الدكتور عبد القادر تنكل إلى أن هناك ثلاث نقاط: الأولى، أنه لا بد من وجود إدارة أزمة لمواجهة هذا المرض، وبالنسبة إلى فيروس كورونا فهناك شك هل الفيروس حيواني أم إنساني، فإذا كان إنسانيا فإن هذا يعطينا معامل خطورة أقل، ولكنـنـا الآن

لانعرف طريقة انتقال المرض، هل ثبت أنه ينتقل عن طريق الهواء أم عن طريق البراز؛ ويجب علينا التركيز على بروتوكول المقاومة بالنسبة إلى الأطباء وأيضا في كيفية التعامل خارج المنزل، فالتركيز على طريقة انتقال الفيروس سيسهم في بناء مجموعة من الحقائق العلمية لإدارة الأزمة، ولابد لوزارة الصحة أن تعطي كافة المعلومات لتشكيل فريق عمل منها ومن الجهات ذات العلاقة.

ويضيف الدكتور تنكل أن الطب مبني على البراهين، والمكافحة تتم في ضوء البراهين والاحترازات أيضا، ووزارة الصحة ملزمة بوضع خطة لإدارة الأزمة بها كل السيناريوهات المحتملة والمتوقعة التي تخطر على بال أحد.. ثانيا، علميا هناك مدارس وتجمعات لم يظهـر فيها الفيروس، لذا وجب علينا رفع درجة السلوك الصحي لدى الناس للوقاية والاحتراز، وليس بالضرورة تجاه الفيروس كورونا.



سيناريوهات متعددة

ويشير الدكتور محمد حلواني إلى ضرورة وجود خطة لدى وزارة الصحة في كل الاحتمالات والحالات حول هذا المرض وأن تكون هناك عدة سيناريوهات وخطط بديلة، كما أن اللجنة الوطنية للأمراض المعدية يجب أن تكون ممثلة من جميع التخصصات والجهات الصحية والعلمية كالجامعات وتستفيد من الخبراء والاختصاصيين ولا تقتصر على أعضاء بعينهم.

بينما يطالب الدكتور ياسر سلامة باتخاذ المزيد من الإجراءات الوقائية ويرى أن مسألة تغيير ثقافة أو سلوك الأفراد في غضون مدة قصيرة أمر صعب، وإن من بين الاحترازات الوقائية وخاصة في المدارس ولاسيما المرحلة الابتدائية تقديم الاختبارات والتبكير بالإجازة خاصة أنه لم يتبق على نهاية الفصل الدراسي سوى بضع أسابيع، كذلك تكثيف النظافة في المدارس وتوفير المعقمات والكمامات.



إجراءات احترازيـة

وتعزز الدكتورة نهى دشاش مبدأ قيام الطب على البراهين، وتقول: لقد أجريت منذ عام 2002 عددا من الدورات في هذا الموضوع، لكن هناك درجة أقل مبنية على البراهين هي رأي الخبراء، فالمجلات والأبحاث العلمية هي أقل درجة وهنا توجد إشكالية هي أن الفيروس متحور ومتغير ويوميا هناك شيء جديد ونمط جديد، أما بالنسبة للمطالبة بإغلاق المدارس كإجراء احترازي فلا أرى ذلك ولكن هناك بعض الإجراءات البسيطة التي يمكن اتخاذها في المدارس كإلغاء طابور الصباح، وبعضها تقوم بتعقيم الطاولات والمقابض وأيادي الطلاب والمقاعد، ولا أنصح باستخدام الكمامات التي يرتديها هؤلاء الطلاب ويقومون بإلقائها في فناء المدرسة وقت الفسحة لما قد تسببه من مخاطر، أيضا يجب البعد وتجنب التجمعات التي لا ضرورة لها والتقليل من عادات السلام التي يمكن أن تنقل العدوى. وتطرح الدكتورة دشاش سؤالا حول: أين يذهب مريض كورونا، هل يذهب إلى المركز الصحي أم إلى المستشفى أم إلى الإسعاف، وهذا سؤال يجب على وزارة الصحة الإجابة عنه وتعريف الناس بالطرق والوسائل المتاحة والتأكيد على جميع المستشفيات حول كيفية التعامل مع الحالات المرضية، كما يجب تخصيص مستشفى وأكثر لهذه الحالات. ويرى الدكتور قاضي العقيلي أن مرض كورونا ليس أول مرض فيروسي ظهـر فقد ظهـرت أمراض مشابهة مثـل انفلونزا الخنازيـر والطيور وغيرها، ويجب أن نستفيد مما لدينا من خبرات متراكمة سابقة، من ناحية ثانية فإن معظم الحالات التي تصاب بمرض كورونا بحاجة إلى عناية مركزة، وبعض المستشفيات تعاني أصلا من عدم وجود أسرة للعناية المركزة، كذلك ينبغي وضع غرفة عمليات في كل المناطق تحسبا للانتشار في أي منطقة أخرى تتألف من وزارة الصحة والزراعة والداخلية والبلدية والجامعات، أما بالنسبة للمدارس فلا أرى ضرورة لإغلاقها، ولكن إذ شعر الأهل أن لدى ابنهم ارتفاعا في درجة الحرارة ة أو زكاما فلا يرسلونه إلى المدرسة.



نسبـة الإصابـة

وحول المخاوف التي يستشعرها الكثيرون، وما إذا كانوا محقين في هذه المخاوف، يقول الدكتور نزار باهبري: هذه مسألة دقيقة، فمن الناحية العلمية فإن نسبة انتقال الفيروس منخفضة للغاية مقارنة بفيروسات الانفلونزا الأخرى كانفلونزا الخنازير وانفلونزا الطيور، وهناك ما نسبته 65% تقريبا من المصابين يتجاوزون المرض ويشفون.. والسؤال المهم الآن هو: كيف يتعامل الناس في مثل هذه الظروف؟.. فإذا كان الشخص يعاني من ارتفاع درجة الحرارة والكحة أكثر من 24 ساعة فعليه الذهاب إلى المستشفى للفحص، لكن بعض الناس يصاب فعلا بالخوف، ونحاول من هنا أن نطمئن الناس وأن عليهم لبس الكمامة في الأماكن التي اعتادوا على ارتيادها خاصة الأماكن المزدحمة أو التي فيها تجمعات، كما عليهم الحرص على تنظيف الأيدي باستمرار، إضافة إلى أن الاستنشاق وسيلة ممتازة لمكافحة العدوى فالماء أفضل مطهـر في العالم..



المشاركون في الندوة :





•• الدكتور قاضي مقبول العقيلي، استشاري طب الأطفال ووكيل وزارة الصحة التنفيذي سابقا وعضو مجلس الشورى سابقا.

•• الدكتور عبد القادر تنكل، استاذ مشارك في قسم الكائنات الدقيقة الطبية والطفيليات بجامعة الملك عبد العزيز ومستشار أمين محافظة جدة.

•• الدكتور ياسر سلامة استشاري الصحة العامة والكاتب في عكاظ.

•• الدكتور نزار باهبري استشاري الأمراض المعدية ورئيس جمعية الأمراض المعدية.

•• الدكتورة نهى دشاش استشارية طب الأسرة.

•• الدكتور محمد حلواني استاذ مكافحة العدوى والمايكروبات الطبية المساعد بجامعة الباحة.

•• الدكتور منصور الطبيقي مدير إدارة سلامة المرضى ومشرف التطوير بمستشفى الولادة والأطفال بجدة.