في وسم أطلقه مغردون على تويتر، ليلة افتتاح مدينة الملك عبدالله الرياضية في مدينة جدة مساء الخميس 1 مايو 2014، جاء يحمل عنوانا لافتا (أرامكو هي الحل). فقد أبهر مشروع المدينة الجميع، سواء في التصميم أو دقة الإنجاز أو سرعته. وهي عوامل تفتقدها معظم المشاريع الحكومية الأخرى، بل إن هناك وزارات تعجز عن إقامة أي مشروع له قيمته الحضارية رغم الصرف الباذخ على المشاريع الحكومية.
الذين أطلقوا هذا الوسم، لم يكن في أذهانهم سوى الجودة من ناحية أولى، ونقد المشاريع الحكومية من ناحية ثانية. فهم، إذ يحملون تطلعات النجاح لكل المشاريع الحكومية، فإنهم يبحثون ــ في الوقت نفسه ــ عن أسباب تعثر بعض هذه المشاريع الحيوية أو تأخر إنجازها.
تعثر المشروع ليس مسألة تلقائية، بمعنى أن الفشل لا يراد لذاته، لكن نتيجة لعوامل مختلفة. فعلى زعم أحد المغردين تشترك جهات حكومية في مشروع واحد فتفشل، بينما أرامكو تقوم بالمشروع بالكامل فتنجح. ودون مزايدة في الكلام عوامل النجاح واضحة لمن أراد النجاح.
من هذه العوامل تحرير قطاع المشاريع من البيروقراطية الحكومية، سواء في الصرف، أو في اتخاذ القرار. أرامكو مستقلة في قرارها المالي والإداري، وحتى الاستراتيجي، فتنجح ليس بالأماني والتصريحات، فلا أكاد أتذكر تصريحا لأرامكو حول مشاريعها، إنما تعمل وتترك لإنجازها أن يكون شاهدا أمام الناس. فجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ومدينة الملك عبدالله الرياضية خير مثال على ذلك.
إذن، استقلال القرار أحد مفاتيح النجاح، وهو مفتاح لا يستهان به، إذ أن تعدد الصلاحيات بين الجهات المختلفة يفرق دماء المشاريع بين قبائل البيروقراطية من الموظفين والمنتفعين والفاسدين. والقرار المالي تتحكم فيه جهة مانحة وأخرى قابضة، وبينهما جيش من المنتفعين من مقاولي الباطن الذي يفكرون في كل شيء ما عدا الجودة. أرامكو متكاملة الأذرع تعمل بمنظومة منسجمة، تجيد التخطيط، والتصميم والتنفيذ. ولا تقبل سوى الجودة الممكنة لمشاريعها.
من عومل النجاح اختيار الكفاءات المناسبة لإدارة المشروع، فليست المشاريع ذات صبغة واحدة، فالمشاريع التعليمية غير المشاريع الصحية، غير المشاريع المدنية. تعدد المشاريع وتغير طبيعتها لا يجب أن يكون سببا في الفشل، فاختيار الكفاءات المناسبة والاعتماد على بيوت الخبرة العالمية المتخصصة يقود المشاريع ــ بإذن الله ــ إلى النجاح. في معظم مشاريعنا الحكومية يتم إسناد المشاريع لمقاولي الباطن الذين هدفهم الكسب لا الجودة؛ لأن شرط الجودة ليس في الحسبان عندما يتم تسليم مشروع بأقل من تكلفته الأساسية، إنما الهدف إكمال المشروع متجاوزا شرط الجودة. ومشاريع الإنفاق في جدة والرياض فضحت سياسة «مشي حالك»، لكن لم يتم تعطيل هذه السياسة حتى الآن. فلا عنصر الكفاءة في التنفيذ حضر، ولا الجودة كانت مطلب التنفيذ في معظم المشاريع الحكومية.
اقترح بعض المغردين إعادة وزارة الأشغال العامة، حيث تتولى جميع المشاريع الحكومية، لتتفرغ الوزارات الأخرى لعملها الأساسي. وزارة الأشغال كانت قائمة وكانت تجربتها ناحجة، ويبدو أن عودتها ضرورة لتلافي فشل العديد من المشاريع الحكومية. غير أن عودتها دون صلاحيات مطلقة مثل الصلاحيات التي تمتلكها أرامكو لن تنجح وستغرق في البيروقراطية مرة أخرى. فمن حيث القرار المالي، لا بد أن يكون الصرف على المشاريع مختلفا بالكامل عما تمارسه وزارة المالية. فبمجرد استلام وزارة الأشغال للمشروع تكون قيمة الشروع بيدها، لا بيد غيرها. ولتنجح الوزارة لا بد أن يتوفر لها من الكفاءات والخبرات ما يسمح لها بلعب دور المايسترو لمشاريع بالمليارات. إضافة إلى ذلك حرية الاستعانة ببيوت الخيرة العالمية والاستفادة من المقاول الأجنبي دون النظر لمسألة أن ابن البلد أولى بصرف النظر عن كفاءته. فليطور ابن البلد كفاءاته وقدراته وله حق المنافسة على المشاريع منافسة شريفة إذا كان الهدف جودة المشاريع.
وزارة أشغال مستقلة في قرراها المالي والإداري والاستراتيجي ضرورة لتجاوز تخبط المشاريع. مشاريع تنتهي بالفشل، ومشاريع تتأخر، ومشاريع سيئة التنفيذ. أين الخلل؟ هل هو في عدم معرفة الصواب؟ أم في عدم الرغبة في معرفة الصواب؟ الجواب بلا شك حاضر، لكن المهم ما بعد الإجابة.
افتتاح مشاريع أرامكو يصاحبه دائما نشوة الاستمرار في النجاح، لكن للنجاح مواصفات قاسية، فهل لدينا القدرة والاستعداد لاستنساخ تجربة أرامكو؟!
عندما تقرر الدولة الاستعانة بأرامكو، هل ذلك ميزة لأرامكو، أم نقصية لغيرها من جهات تنفيذ المشاريع؟ سؤال لا بد من استيعاب مدلوله، وكأن صانع القرار يضع نموذج النجاح أمام جميع الوزارات الحكومية المعنية بالمشاريع المتعثرة، أو التي تنفذ بجودة أقل مما هو مخطط لها. وحقيقة، فمن المضحكات المبكيات أن يكون اتكال بلد بأكمله على شركة واحدة هي سمة الجودة الوحيدة في البلاد.