-A +A
وليد عرب هاشم
لا يمكن وصف اقتصادنا بأنه اقتصاد مريض، فهذا اقتصاد يتسارع في النمو ـــ والحمد لله، ولقد تضاعف الدخل القومي خلال السنوات العشر الماضية، وتضاعف معه إجمالي الناتج المحلي، وانقلب ــ بفضل الله ــ الدين الحكومي الضخم إلى فائض يفوقه بأضعاف مضاعفة، وبسهولة يرى أي شخص محايد حجم النهضة التي نمر بها الآن ــ والحمد لله ــ فهناك جامعات جديدة ومطارات جديدة ومستشفيات جديدة وطرقات جديدة وتستمر القائمة ــ لله الحمد، فحجم المشاريع الحكومية الجارية يتعدى الآن قيمة الألف مليار، ولا دليل أوضح على متانة اقتصادنا وغناه من الملايين الوافدة، والتي جذبها هذا الاقتصاد فتركت أوطانها وأقامت هنا.
ولكن، ومع كل تقديرنا وشكرنا للنعم التي ننعم بها، إلا أنه أيضا لا يخفي على أحد التحديات التي يواجهها اقتصادنا، بل إننا حفظناها من كثرة تردادها، فاقتصادنا ما زال يعتمد على تصدير النفط الخام ولم ينجح في تنويع مصادر الدخل، ولدينا بطالة مرتفعة وبالذات ما بين الشباب، وهناك تزايد في الاستهلاك وبالذات في الاستهلاك المحلي للطاقة، وبالرغم من ارتفاع متوسط الدخول للأفراد، إلا أنها ما زالت دون الطموح ومهددة بالانخفاض؛ لأن لدينا زيادة كبيرة في السكان، ولسنا قادرين على تحسين إنتاج الفرد، وهذه هي بصفة عامة أهم وأخطر التحديات التي يواجهها اقتصادنا، والغريب أن نسمع عنها أو على الأقل عن بعضها من سنوات.. فأول خطة للتنمية الاقتصادية، والتي صدرت قبل أكثر من أربعين عاما، تطرقت لمعظم هذه التحديات، وبالتالي فهي ليست غريبة علينا، بل نكاد نحفظها من كثرة الترداد.

وكما أن التحديات معروفة لدينا، فإن الحلول أيضا معروفة وليست بغريبة، فلن ينخفض اعتمادنا على تصدير النفط الخام كالمصدر شبه الوحيد للدخل، إلا إذا قمنا بتخفيض صادراتنا وتوجيه الفرق إلى صناعات محلية من تكرير إلى بتروكيماويات إلى صناعات ثانوية، ولن يتم معالجة البطالة إلا إذا قمنا كخطوة أولى بتبديل (وليس تغيير) أنظمة التعليم والتدريب لدينا، والتي لها عشرات السنين تخرج نفس الشباب غير المؤهل لسوق العمل ومتطلباته، وقمنا كخطوة ثانية بتغيير أنظمة العمل، بحيث تزداد تكلفة تعيين غير السعودي وتنخفض تكلفة تعيين السعودي.
ولن نحد من استهلاكنا المتزايد من الطاقة إلا بتعديل الأسعار وتقليص الدعم، أما موضوع تحسين إنتاجية المواطن، فهذا يتطلب تحسين مناخ العمل وتيسير إجراءات أداء الأعمال، ويشمل تطبيق الشفافية ومحاربة الفساد والبيروقراطية ونشر ثقافة خدمة المواطنين.
هكذا نجد أن مشاكلنا أو التحديات التي نواجهها معروفة، وكذلك نجد أن الحلول المقترحة أيضا معروفة، فهذه ليست تحديات خاصة بنا، وإنما واجهتها أمم قبلنا، ومن المتوقع أن تواجهها غيرها، وبعضها نجح في اجتياز هذه التحديات، فلكل مشكلة هناك حل، ولكل داء هناك دواء، صحيح أن للدواء تكلفة، وأنه ــ بصفة عامة ــ غير مستساغ المذاق، ولكن عدم أخذ الدواء أو تأجيله لن يعفينا منه، بل يزيد من حاجتنا إليه؛ لأن الداء يستفحل وينتشر ويتأصل إن لم يتم علاجه، وفي تلك الساعة ممكن ــ لا سمح الله ــ أن يصبح اقتصادنا اقتصادا مريضا.