كان السؤال عن معنى الحياة ولا يزال أحد أكثر الأسئلة التي طرحها الإنسان على نفسه أهمية وتعقيدا وصلة بجوهر الوجود نفسه. صحيح أن هذا السؤال يبدو في الظاهر شأنا نظريا وفلسفيا محضا، إلا أن واقع الأمور يشير إلى عكس ذلك، باعتبار أن الحياة خارج المعنى هي حياة عقيمة وبائسة وعديمة الهدف. والذين لم يعثروا على هدف أسمى لوجودهم هم أكثر الناس عرضة للوقوع في براثن الشقاء واليأس العدمي، وصولا إلى الانتحار. وإذا كان المعنى الفلسفي العميق للحياة على الأرض شأنا من شؤون الفلسفة والفكر المتخصص، فإن الناس على أرض الواقع يحتاجون بأجمعهم إلى هدف ما يضعونه قبالة أعينهم ويسعون إلى تحقيقه، بصرف النظر عن التفاصيل التي تتوزع بين الثروة والشهرة والسلطة والسعادة والإبداع، وغير ذلك من الأهداف. يتصدى الكاتب والمفكر تيري إيغلتون في كتابه القيم «معنى الحياة» لهذا السؤال الوجودي المزمن بالذات، والذي يرى فيه سؤالا مقتصرا على الجنس البشري وحده؛ لأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعي وجوده وموته وما يرتبط بهما من أسئلة وملابسات. على أن الفلسفة المعاصرة ــ وفق إيغلتون ــ لم تعد معنية كسابقاتها بالبحث عن الماورائيات التي لا نستطيع سبر غورها، أو التي تبدو نوعا من التنجيم والضرب بالرمل، بل باتت تعنى بالإنسان نفسه في حياته الواقعية وبحثه عن الإشباع الروحي والمادي. يعرض إيغلتون للعديد من النظريات والآراء التي انشغل أصحابها بتحديد معنى ملائم لحياة الإنسان وكفاحه على الأرض. فأرسطو ــ على سبيل المثال ــ رأى ذلك المعنى متمثلا بالحصول على السعادة. على أن ذلك الهدف ــ وفق أرسطو ــ لا يجب أن ينجز بأي وسيلة كانت، أو عبر إلحاق الأذى بالآخرين، بل عبر الفضيلة والأخلاق والسلوك النبيل. والأبيقوريون ــ من جهتهم ــ يربطون السعادة تلك بالمعرفة واللذة العقلية التي يرون فيها تاج اللذات وذروتها الأخيرة. وفي حين أن سيغموند فرويد قد ربط الحياة بمبدأي الرغبة من جهة والموت من جهة أخرى، فإن شوبنهاور قد ربط معنى الحياة بالإرادة الحرة، فيما ذهب نيتشه إلى تمجيد القوة والسيطرة والتفوق، بوصفها السبل الأهم لتحقيق الذات. أما العالم الرأسمالي فلم يجد حرجا من ربط الحياة بمعناها المادي المباشر الذي تنسحب فيه المثل والفضائل إلى الخلف لتحل محلها شهوة المال وتحقيق الثروة والسلطة بأي ثمن كان. وحتى الرياضة تحولت ــ وفق إيغلتون ــ إلى «ولاءات وخصومات عشائرية وطقوس رمزية وخرافات وأبطال أيقونيين وجمال استطيقي خالص». ورغم أهمية الهدف الذي وضعه المؤلف لكتابه المميز، فإن القارئ لا يعثر عن إجابة شافية للسؤال الذي طالما أرق مليارات البشر الذين تعاقبوا فوق هذه الكرة السابحة في الفضاء الكوني. قد يكون المتمسكون بالدين هم الأقل عرضة للوقوع في وهدة العبث والحيرة الممضة واللاجدوى، حيث الآية الكريمة (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) تشير إلى غاية محددة ومرتبطة بالذات الإلهية نفسها، ولكن الكثيرين من البشر لا يدركهم ذلك «النور الذي يقذفه الله في القلب» ــ على ما يقول الإمام الغزالي. ومن بين هؤلاء الشاعرة الأمريكية الشهيرة جيرترود شتاين التي سألت نفسها على فراش الموت «ما الجواب؟»، قبل أن تغمغم عبارتها الأخيرة «ولكن ما السؤال؟!».