-A +A
نصير المغامسي (جدة)
مشاهد نبش القمامة وإن كانت تثير الاستياء لكنها لا تثير الارتياب، فكثير ممن يقومون بعمليات النبش يقومون بجمع ما يمكن بيعه لمصانع اعادة الانتاج التي تستفيد من الحديد والنحاس وغيرها من المعادن. الا أن مايثير الريبة والشك في هذا الجانب، وجود أحواش خارج النطاق العمراني تقوم بدور المصانع، وتفتقد لأدنى شروط النظافة والسلامة، الى جانب رؤية العمالة وهي تقوم بإعادة تصنيع الاسرة والمجالس العربية والتركية بالاضافة للوسائد والفرش، مع العلم ان تلك المنتجات لا يمكن اعادة تصنيعها.. وبهذه الطرق البدائية، ليبقى السؤال: أين الرقابة على تلك الاحواش، وكيف يمكنها تسويق منتجاتها وهي في الاصل «قمامة».


ففي منطقة الخمرة جنوب مدينة جدة، رصد عدد من المواطنين القاطنين هناك، حركة غير اعتيادية لشاحنات محملة بأطنان من النفايات، تدلف وسط احواش مغلقة، اكتشف انها عبارة عن ورش للجمع والتصنيع في آن واحد، حيث يقوم العاملون فيها بفرز ما يمكن بيعه من عبوات معدنية وبلاستيكية، واخرى يعاد تصنيعها كغرف النوم والمجالس العربية والتركية، وكل ذلك يتم في العراء.
يقول احد العاملين في تلك الاحواش، انهم ألفوا العمل بهذه الطريق المربحة، فأطنان النفايات يتم شراؤها من النابشين والجامعين لها اما بالوزن او بالاتفاق على الكمية والسعر، ومن ثم يتم فرزها، حيث يتم بيع العبوات المعدنية والبلاستيكية الى المصانع التي تعمل على انتاج العبوات المعدنية والبلاستيكية. ويضيف «احرص على شراء النفايات التي تتضمن كميات كبيرة من العبوات، الى جانب الاثاث القديم، حيث نقوم بإعادة تركيبه وتنجيده من جديد، ليبدو انه مصنع محليا، ومن ثم نقوم بتسويقه».


أحواش متفرقة
من جهته، يؤكد المواطن خالد ابو ريان ان احواش تجميع الاثاث اكثر ما تنشط في منطقة الخمرة، الى جانب بعض احياء جنوب جدة، وقال «عمل تلك الاحواش غير نظامي حتى وان استمر لفترة طويلة كما هو حال بعضها، والتي ازدهر نشاطها التجاري دون رقيب او حسيب لا سيما في منطقة الخمرة». واضاف «لكن لو كان نشاطهم نظاميا لما كان خارج نطاق العمران، ووسط الاحواش المقفلة، التي لا تحمل عنوانا او أي تصريح بمزاولة هذه المهنة الغريبة».
واشار ابو ريان الى أن نشاط تلك الاحواش وخاصة ما يتعلق بإعادة صناعة الوسائد وغرف النوم والمجالس، يثير الريبة ويجعل من الصعب شراء تلك المنتجات ما لم يتم التأكد أنها ليست مواد مستعملة في الاصل.
وأضاف عبدالله الحربي، أن كثيرا من معارض الاثاث المنزلي في السابق كانت تحرص على وجود ورش فنية تابعة لها الى جوار معارضها حتى وإن كانت داخل الاحياء، لكنها لا تقوم بالتعاطي مع الاثاث المستعمل، وانما تكتفي بتصنيع غرف النوم والاثاث وفق ما يطلبه الزبون. وقال «ومع ذلك فقد تلاشى وجود تلك الورش في داخل الاحياء بفعل الرقابة الميدانية من قبل ادارة الدفاع المدني، وخوف اصحاب المعارض وملاك العقارات من الوقوع تحت طائلة العقوبات التي تفرضها الادارة على المخالفين لأنظمة السلامة».

مسؤولية مشتركة
بدوره أشار رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور ناصر التويم، الى الجهود المبذولة من قبل وزارة التجارة بالتعاون مع امانات المدن في مكافحة مثل تلك الاحواش التي تقوم على اعادة تصنيع النفايات ومن ثم تسويقها، وقال «هناك جهود مشتركة مبذولة لمكافحة مثل هذه الظاهرة التي استشرت من خلال استغلال مواقع الاستراحات والمباني القديمة، ولذا فإن المسؤولية ايضا تقع على عاتق ملاك العقارات للحد من انتشار هذه الظاهرة التي اصبحت على نطاق كثير من المدن».
واضاف التويم «كما أن المسؤولية تقع على عاتق المستهلك بالابلاغ عن أي منتج مغشوش، فما بالك بمنتج يصنع من خلال النفايات، وتوضع عليه ماركة معروفة امعانا في الغش. فوزارة التجارة او أي جهة معنية بمحاربة الغش التجاري لا تستطيع العمل دون تعاون المواطن (المستهلك) في الحد من أي ظاهرة غش تجاري، بما في ذلك ظاهرة اعادة تصنيع الاثاث المنزلي»، مؤكدا أن المواطن مسؤول سواء اكان مستهلكا او مالك عقار.. بالاضافة الى سكان الحي الذين عليهم الابلاغ عن أي نشاط مشبوه من شأنه الاضرار بالمجتمع بما في ذلك الغش التجاري، فالمسوؤلية الاجتماعية تحتم ذلك، كما تحتم التشهير وايقاع العقوبات الرادعة بحق المتسترين على عمليات الغش التجاري، انطلاقا من أمر خادم الحرمين الشريفين في هذا الصدد، حيث اكد -حفظه الله- على معاقبة كل من يقف خلف الغش والتستر كائنا من كان.
واختتم التويم تصريحه قائلا «مثل هذه الاحواش التي تقوم بإعادة تصنيع الاثاث القديم تندرج ضمن اطار الغش التجاري، وتتسبب في هدر اقتصادي وضرر صحي كبير ناجم عن استخدام مواد اولية قديمة (نفايات)، ولذا فإن المسؤولية مشتركة في محاربة مثل تلك الاحواش ومنتجاتها، من خلال نشر الوعي باضرار نشاطها سواء على النواحي الاقتصادية والصحية، الى جانب ضرورة التشهير بالقائمين عليها والمتسترين على مثل تلك النشاطات».

تجارب متكررة
وقد اكد المواطن عبدالله العذبة تعرضه للغش من خلال شرائه اثاثا منزليا اتضح في ما بعد انه مستخدم، مشيرا الى انه وقع ولأكثر من مرة ضحية للمسوقين للأثاث المستعمل الذي لا يمكن اكتشافه الا بالتدقيق والفحص المتأني قبل الشراء. وقال ربما تكون الثقة والعجلة اهم العوامل التي من خلالها يمكن للمتسترين تسويق مثل هذه المنتجات المتهالكة والمنتشرة في كثير من الاسواق. وقال «في احدى المرات وتحديدا عند قرب نهاية شهر رمضان، قمت بشراء كنب على انه منتج تركي وكلفني مبلغا قدره 6500 ريال، ومع مرور الوقت اكتشفت انه عباره عن اثاث مجدد، وليس جديدا كما اخبرت من قبل». وأضاف «للأسف تكرر هذا الموقف معي مرات عدة، واجزم انه تكرر مع كثيرين غيري، فنحن في النهاية مجتمع طيب ويثق في الآخر، لكن ذلك لا يجب ان يكون مدعاة لاستغلال الآخرين للمواطن».
واختتم العذبة قائلا «كما قلت لك تعجلت مرارا عند شرائي لمثل تلك المنتجات التي لا يمكن اكتشافها الا مع مرور الوقت، لكن وعوضا عن ذلك على المتسوق الحذر والتأني في اختيار الاثاث المراد شراؤه، واخذ الضمانات على جودته، وقبل كل شي الاختيار الامثل للمحال التجارية».
وفي حين اكد عثمان الزهراني سماعه لكثير من القصص التي تؤكد انتشار الاثاث المجدد في الاسواق وبيعه على انه جديد، منوها بأن ذلك جعله يلتزم بشراء الاثاث من محال تجارية عالمية تحرص كثيرا على سمعتها، يروي علي آل حلاف قصته مع احد محال بيع الاثاث قائلا «قمت بتفصيل مجلس عربي (باطرمة) بقيمة 9500 ريال، وبعد عام تقريبا وحين اردت تجديد قماش المجلس، اكتشفت انه مصنوع من مواد مستعملة ومتهالكة»، مضيفا «تكبدي لهذه الخسارة الفادحة كان بسبب الثقة الزائدة التي تعاملت بها مع صاحب المحل، والذي اجزم ان له العديد من الضحايا غيري، طالما غابت الرقابة عن مثل تلك المحال».
فيما ارجع خالد الشهري السبب في انتشار الغش التجاري في قطاع الاثاث التي سمع العديد من قصصها، الى رواج تجارة بيع وشراء الاثاث المستعمل الذي يقوم به السماسرة الذين تنتشر ارقام هواتفهم في العديد من الاماكن، والتي لم تسلم منها المنازل والسيارات. وقال «هؤلاء هم السبب في تغذية مثل هذه التجارة التي شملت قطاعات اخرى منها الاجهزة الالكترونية والمكيفات، وفي النهاية هم المسؤولون عن رواج تجارة التجديد واعادة التصنيع دون الاشارة الى ذلك».