من تقاليدنا الشفاهية رواية الحديث أو نقل تراث الأدب واللغة عن طريق المشافهة التي توصل المضمون بطرق مختلفة مرة باللفظ، ومرة بالمضمون مع التصرف باللفظ في حدود استيعاب الملاءمة مع المضمون. وهذا النمط من الثقافة راسخ في مفهوم الاحتياج لمن سبق وما سبق من باب الانحياز للمتقدم في نقل المعرفة والخبرات.
فكرة العنعنة، أو نقل الحديث أو الكلام عبر الرجال حتى تصل الرسالة، هي ثقافة شفاهية شاعت في ظل غياب الكتابة بوصفها وسيلة تدوين معرفي، رغم معرفة العرب لها بوصفها وسيلة تدوين وظيفي قبل البعثة وبعدها، قبل أن تصبح الكتابة وسيلة للتدوين المعرفي بدءا من القرن الهجري الثاني.
أوحى لي هذا الحديث بتساؤل حول ثقافة التواصل بالعنعنة، أو التواصل بالمعرفة المتدرجة حتى تصل الرسالة. في مجتمعنا لا يكاد أحد يكون بمنأى عن هذه الثقافة التي نشأت ضمن ثقافة الفزعة، وتجاوز النظام للحصول على مصلحة، أو لإخضاع النظام لحل مشكلة إنسانية.
التغير الرئيسي وقع في استبدال (عن) بـ (مَن). فبدلا من قولنا (عن فلان)، أصبحت (من فلان)، وأضيف عليها (طرف) لتصبح (من طرف فلان). وهي عبارة نستدعيها عندما نعجز عن إيصال رسالة احتياجنا ببلاغة الحق في المواطنة وعدالة الخدمات المقدمة، نمارس ذلك بشكل أكبر عند الرغبة في تحقيق مصلحة في أي دائرة حكومية، وقد تكون هذه الممارسة أبعد من الحاجة لتصل إلى الالتفاف حول النظام لتحقيق غايات فاسدة.
الثابت هنا هو فلان. هذا الكائن الأسطوري الذي يختصر النظام ويطويه تحت إبطه. قد يكون فلان هذا من داخل الإدارة، أو من خارجها. فالباحث عن مصلحة يحرص قبل أن يزور أي دائرة حكومية أن يفرك رأسه، هل له من الجماعة أو الزملاء أو المعارف من يمكن أن يوصله لغايته؟! من هنا تبدأ رحلة (من طرف فلان). فيأتي التوجيه اذهب إلى فلان وقله من طرف فلان. الغريب أن تجد هذا الفلان يحيلك إلى آخر والآخر إلى آخر. فتمتد سلسلة فلان حسب الموقف والمصلحة وحراجتها، وحسب الصلة الاجتماعية أو المصالح المتبادلة بين رموز هذه السلسلة.
هذه السلسلة التي تتكون في ظرف خاص تتفرع منها سلاسل أخرى، تمضي في مسارات أخرى. والنظام هنا واقف مثل صنم العجوة عند العرب في الجاهلية، يقدسونه فإذا جاعوا أكلوه. وهذه علاقتنا بالنظام، نتشدد في وضعه على الورق، ونطوعه لمصالحنا كل حسب قدرته في تسويغ النظام وتجاوزه.
هل العلة في الأنظمة والقوانين ذاتها بحيث تتشدد في حق الضعيف وتتسامح في حق القوي؟! أم هي القدرة على تطويع النظام بحيث يكون قويا حينا، ورخوا وفاقدا للمعنى عند الحاجة لتجاوزه في أحيان أخرى؟!
الطريف في سلسلة من طرف فلان أنها سلسلة تمر بأوضاع مختلفة كلها تصب في ذات المعنى. فهي قابلة للتطور مثل كل شكل مادي في حياتنا. في الأصل هي مجرد قول شفهي من صاحب الحاجة إلى من يتوسم فيه القدرة على تقديم الخدمة. وفي هذا السياق يدخل الهاتف بوصفه وسيلة عابرة للمسافات من أي مكان لتقديم هذه الخدمة، لكنها قد تكون كتابة إذ يخط أحدهم ورقة يطلب فيها المساعدة لصاحبه. وأيا كان الشكل فإن الموقف واحد، تجاوز النظام لقضاء مصلحة مستحقة أو غير مستحقة. إذا كانت غير مستحقة فهذا ظلم بين، وهو يدخل في باب الفساد بالمطلق. أما إذا كانت هذه الخدمة مستحقة أدت لتجاوز النظام، فالأمر له علاقة بعدم ملاءمته للبئية التي وضع من أجلها. فكيف تكون المصلحة مستحقة ولا يستجيب النظام لها؟! مثل العلاج أو بدل الضمان أو لم الشمل للأسر المبعثرة بسبب تخصيص الوظائف حسب المناطق لا حسب حالة الشخص عندما تحين ترقيته. إذ يضطر الموظف للرحيل عن أسرته. هنا يبدأ خرق النظام يباشر شكليا ليعود إلى مدينته بالتكليف إن كان لديه سلسلة قوية من الواسطة ضمن سلسلة «من طرف فلان».
القضاء على الظاهرة مستحيل، لكن التكيف مع الأوضاع الإدارية الحديثة مطلب جاد، منها صياغة الأنظمة القائمة صياغة مواكبة للمتغيرات ووضع الجانب الإنساني أولا عند إعادة صياغة الأنظمة الإدارية حتى تكون محفزة للراغبين في التمسك بالنظام، وتقليلا من خروقات النظام المستمرة.
فكرة العنعنة، أو نقل الحديث أو الكلام عبر الرجال حتى تصل الرسالة، هي ثقافة شفاهية شاعت في ظل غياب الكتابة بوصفها وسيلة تدوين معرفي، رغم معرفة العرب لها بوصفها وسيلة تدوين وظيفي قبل البعثة وبعدها، قبل أن تصبح الكتابة وسيلة للتدوين المعرفي بدءا من القرن الهجري الثاني.
أوحى لي هذا الحديث بتساؤل حول ثقافة التواصل بالعنعنة، أو التواصل بالمعرفة المتدرجة حتى تصل الرسالة. في مجتمعنا لا يكاد أحد يكون بمنأى عن هذه الثقافة التي نشأت ضمن ثقافة الفزعة، وتجاوز النظام للحصول على مصلحة، أو لإخضاع النظام لحل مشكلة إنسانية.
التغير الرئيسي وقع في استبدال (عن) بـ (مَن). فبدلا من قولنا (عن فلان)، أصبحت (من فلان)، وأضيف عليها (طرف) لتصبح (من طرف فلان). وهي عبارة نستدعيها عندما نعجز عن إيصال رسالة احتياجنا ببلاغة الحق في المواطنة وعدالة الخدمات المقدمة، نمارس ذلك بشكل أكبر عند الرغبة في تحقيق مصلحة في أي دائرة حكومية، وقد تكون هذه الممارسة أبعد من الحاجة لتصل إلى الالتفاف حول النظام لتحقيق غايات فاسدة.
الثابت هنا هو فلان. هذا الكائن الأسطوري الذي يختصر النظام ويطويه تحت إبطه. قد يكون فلان هذا من داخل الإدارة، أو من خارجها. فالباحث عن مصلحة يحرص قبل أن يزور أي دائرة حكومية أن يفرك رأسه، هل له من الجماعة أو الزملاء أو المعارف من يمكن أن يوصله لغايته؟! من هنا تبدأ رحلة (من طرف فلان). فيأتي التوجيه اذهب إلى فلان وقله من طرف فلان. الغريب أن تجد هذا الفلان يحيلك إلى آخر والآخر إلى آخر. فتمتد سلسلة فلان حسب الموقف والمصلحة وحراجتها، وحسب الصلة الاجتماعية أو المصالح المتبادلة بين رموز هذه السلسلة.
هذه السلسلة التي تتكون في ظرف خاص تتفرع منها سلاسل أخرى، تمضي في مسارات أخرى. والنظام هنا واقف مثل صنم العجوة عند العرب في الجاهلية، يقدسونه فإذا جاعوا أكلوه. وهذه علاقتنا بالنظام، نتشدد في وضعه على الورق، ونطوعه لمصالحنا كل حسب قدرته في تسويغ النظام وتجاوزه.
هل العلة في الأنظمة والقوانين ذاتها بحيث تتشدد في حق الضعيف وتتسامح في حق القوي؟! أم هي القدرة على تطويع النظام بحيث يكون قويا حينا، ورخوا وفاقدا للمعنى عند الحاجة لتجاوزه في أحيان أخرى؟!
الطريف في سلسلة من طرف فلان أنها سلسلة تمر بأوضاع مختلفة كلها تصب في ذات المعنى. فهي قابلة للتطور مثل كل شكل مادي في حياتنا. في الأصل هي مجرد قول شفهي من صاحب الحاجة إلى من يتوسم فيه القدرة على تقديم الخدمة. وفي هذا السياق يدخل الهاتف بوصفه وسيلة عابرة للمسافات من أي مكان لتقديم هذه الخدمة، لكنها قد تكون كتابة إذ يخط أحدهم ورقة يطلب فيها المساعدة لصاحبه. وأيا كان الشكل فإن الموقف واحد، تجاوز النظام لقضاء مصلحة مستحقة أو غير مستحقة. إذا كانت غير مستحقة فهذا ظلم بين، وهو يدخل في باب الفساد بالمطلق. أما إذا كانت هذه الخدمة مستحقة أدت لتجاوز النظام، فالأمر له علاقة بعدم ملاءمته للبئية التي وضع من أجلها. فكيف تكون المصلحة مستحقة ولا يستجيب النظام لها؟! مثل العلاج أو بدل الضمان أو لم الشمل للأسر المبعثرة بسبب تخصيص الوظائف حسب المناطق لا حسب حالة الشخص عندما تحين ترقيته. إذ يضطر الموظف للرحيل عن أسرته. هنا يبدأ خرق النظام يباشر شكليا ليعود إلى مدينته بالتكليف إن كان لديه سلسلة قوية من الواسطة ضمن سلسلة «من طرف فلان».
القضاء على الظاهرة مستحيل، لكن التكيف مع الأوضاع الإدارية الحديثة مطلب جاد، منها صياغة الأنظمة القائمة صياغة مواكبة للمتغيرات ووضع الجانب الإنساني أولا عند إعادة صياغة الأنظمة الإدارية حتى تكون محفزة للراغبين في التمسك بالنظام، وتقليلا من خروقات النظام المستمرة.