-A +A
إبراهيم الأكلبي (بيشة)
تحتشد ذاكرة قاص الأثر مسيم سعود السعدي في محافظة بيشة بعشرات القصص والأحداث والمواقف من عالم الجريمة. حيث وقف على تفاصيل بعضها عن قرب وتلمس خيوط بعضها عن بعد. استهوته متابعة التفاصيل الغامضة من صغره فشغف بحرفنة وفن متابعة الأثر وهو في الثانية عشرة من عمره إذ ورث هذه الحرفة الفريدة من والده وتعلم منه على أصولها وأخلاقياتها.
ورثتها عن أبي

«عكاظ الأسبوعية» قضت ساعات مع قاص الأثر مسيم فروى قصته مع الحرفة ومواقف عاشها وكيف تدرب على أصولها.. فيقول: كانت طموحاتي لا تختلف عن طموح أي صبي في سني إلا أنني منذ سن الثانية عشرة شغفت بهذا المجال نظرا لما اكتشفته في نفسي من ميول تجاه المهنة.. حيث تشربت عشقها من والدي فقد خدم الوالد موظفا مع الجهات الأمنية لمدة 35 سنة وحقق إنجازات كبيرة في هذا المجال من أبرزها تقفي أثر جان تورط في عمل إرهابي بتفجير مسجد القوباء في محافظة بيشة حتى حدد للجهات الأمنية مكان اختبائه وحصل على عدد من الشهادات في مجال عمله.
تحية لصاحب القدم
يواصل مسيم: كان والدي يصطحبني كثيرا في القضايا وظل يختبر قدراتي على تقفي آثار الجمال عندما تضل فأثبت مقدرتي على تفريق آثار جمالنا عن غيرها. وقبل 15 عاما خضعت لاختبار في إمارة عسير حيث طلب مني التعرف على آثار قدمي شخص معين وعرضت علي الآثار مع آثار سبعة أشخاص آخرين فتعرفت على الأثر. لم أكتف بذلك بل قلت للجنة الاختبار إنني سأذهب إلى مكان جلوس صاحب القدم لأسلم عليه وفعلت ما أثار إعجاب اللجنة.
يتذكر مسيم أول قضية باشرها وتتمثل في قضية قتل حيث تم العثور على جثة صومالي قتيل في المنطقة الواقعة بين محافظات رنية ووادي الدواسر وبيشة وطلبت الجهات الأمنية منه الحضور فتتبع الأثر حتى توصل إلى الجاني.
امرأة بحذاء رجل
وعن معدل الجرائم التي يباشرها يقول مسيم السعدي: أحيانا أستدعى لخمس جرائم في اليوم ويزداد المعدل في العطل والإجازات ومعظمها سرقات. ومن القضايا التي لا أنساها أنه حدثت عدة سرقات لأغنام في بيشة حيث سجلت نحو 16 عملية سرقة، وكانت الآثار تعود لشخص حافي القدمين، وأوضحت للجهات الأمنية أن السارق هو نفسه في كل القضايا وبعد فترة تم ضبط الجاني واعترف بمسؤوليته عن كل السرقات واتضح أنه مقيم كان يقوم بتحميل الأغنام مع مواطن شريك له في السرقات.
موقف آخر لا ينساه عندما تقدمت أسرة في محافظة بيشة ببلاغ عن سرقة مصوغات ذهبية قيمتها 50 ألف ريال وتزامن مع السرقة اختفاء خادمة مجهولة الهوية كانت تعمل لدى الأسرة وتم استدعاؤه للحضور مع الجهات الأمنية للموقع.. يقول سعدي: وجدت آثار نعال رجالية تشبه أحذية عمال المزارع في الظاهر إلا أن الأمر كان واضحا بالنسبة لي أن الأثر يعود لامرأة وهذا ما أكدته لرجال الأمن وباقتفاء الأثر وجدناه يخترق المزارع حتى وصلت إلى مكان مهجور تختبئ فيه الخادمة. وتبين أنها استعارت حذاء أحد العمال من بني جلدتها للتمويه والخداع.
آثار على الإسفلت
يمتلك مسيم السعدي قدرة خارقة في التمييز بين آثار أقدام الرجال والنساء ويقول «لكن معرفة العذراء من غيرها والحامل ربما يحتاج إلى تعمق.. هناك من يحترف هذا العمل من أجل المال ويضيع بذلك تفاصيل كثيرة وتصعيب الأمر على الجهات الأمنية وربما يظلم الأبرياء من الدخلاء على المهنة وهناك من يستخدم الدجل والشعوذة للأسف».
وعن العوائق التي تواجهه في عمله قال إن الرياح والمطر يعرقلان عملية البحث وكذلك تأخر البلاغ وهناك من الجناة من يلجأ إلى بعض الحيل مثل ارتداء قطع من الإسفنج تحت الأقدام حتى يصبح الأثر إسفنجيا أو يقوم بسحب شيء خلفه حتى يخفي أثره ومع ذلك نستطيع تحديد صاحب الأثر في معظم الأحيان. وأكد السعدي أنه يستطيع إخراج أثر الجاني من بين 100 شخص ولا يشتبه عليه سواء كان حافيا أو منتعلا أو استبدل النعل بغيرها وحتى لو لجأ الجاني إلى السير على رؤوس أقدامه فإن الأمر لا يختلف عنده للوصول لصاحب الأثر كما يعرف تقفي الأثر على الإسفلت أو البلاط وأحيانا يتعذر ذلك. وقال إن المهنة تتطلب قوة التركيز وحضور الانتباه «لذلك أعتذر عن مباشرة القضايا عندما أكون مريضا أو متعبا كما أنني أقوم بمراجعة الأثر عدة مرات لإبراء الذمة».