-A +A
محمد عبدالواحد
•• مثلما الرديف المعاد عنوة إلى قرية تسكنها الأبالسة.. مثلما القهر النابت في الأعماق ومثلما كهل أوجعه التمزق والاغتراب والشوق كما كل الأشياء التي يملأها الحنين واللهفة والاحتراق.. ومثلما أي شيء يشتاق ويشتاق ويشتاق.. كنت مسكونا بك ومسكون الضمير بكل القضايا التي تولد في الصباح ويتضخم حجمها في المساء.. وكنت مشغولا بكل هذه المرافئ التي استقبلت ولا تزال كل السفن الضالة في عرض البحر.. ثمة شيء ينتفض في داخلي ويقفز ولا يستقر.. وكنت أغص بكل تلك القطع الصغيرة التي في داخل رأسي.. إنها تسرب الغاز والسموم والكلمات.. وأرى ثمة كلاما يتدحرج تحت قدمي بلا معنى..
•• لقد هبطت أبحث عن كنه تلك الألفاظ اليابسة القديمة والمهترئة.. إنه التعايش الأثري الذي يدفعني للتجاوب مع «دعوة كريمة» غير أنني لم آلف أن أقف أمام قارئ متخصص بكل هذه السماجة.. إن الأمر أبلغ ما يكون خطورة عندما يتنكر الإنسان لأحاسيسه ومشاعره.. إنني ملتصق وإلى حد كبير بكل عوامل الهم والكرب وها أنا أتنفس كالضفدع وأشغل بأمور لا ذنب لكم ولا لهم فيها.. على أي حال لا يمكن لأحد أن يدلي قدميه أمام قراء أعزاء وعظماء مثلكم.. ومع هذا أقدم لكم هذه الوجبة الصباحية كما يفعلون في نيويورك، حيث يقدمون الإفطار من كوة في أسفل الباب لنزلاء الفنادق ويوقظونهم بركلة من أقدامهم وبرغم كل هذا لم ينقطع السياح عن زيارة هذه المدينة.. لقد بقيت نيويورك وإلى تاريخه مدينة مفتوحة يدخلها الناس بكل إنسانيتهم ولا يبحث أحد عمن دخل أو خرج.. ولكني أود أن أتساءل: هل تعرفون الفرق بين المدينة الصغيرة المحظورة (أنا) وبين نيويورك؟

الفرق أن نيويورك تستقبل كل أشيائها الصغيرة والكبيرة وتلفظها بسرعة أما أنا فإنني مضطهد بكل أوجاع هذا العالم وأسجن في داخلي ودون تحديد لمدة الاعتقال.. من هنا لا أدري كيف يحترم الكاتب قراءه وهو يقدم لهم الكثير من الغث؟ إن الكلمات لا يمكن أن تستقيم في برك الوحل ولا في مسارب الخفافيش ولا في المسالخ المباحة لإراقة إنسانية الإنسان.. إن أشد الكلمات أشد صلابة في العراء عندما تخطو بقوة في ضوء الشمس.
أيها السادة.. إن الأمر يبدو مرعبا عندما يقف الناس على أرض صلبة..
ويفهمون.