-A +A
منصور الطبيقي
من اللحظات الفارقة في التاريخ أن ترى مدينة عدد سكانها أكثر من مليون ونصف مواطن تسقط بطريقة دراماتيكية عجيبة، وهي محصنة بجيش عرمرم من الجنود «الأشاوس» الذين تحصلوا على التدريب ودعم مالي كبير من الأمريكان يقدر بعشرين مليار دولار, يفرون أمام مجاميع داعش الإرهابية الذين سبقتهم للموصل ونينوى أخبارهم وفظاعاتهم في الشام فكان الخوف من المجهول هو محرك الهزيمة والهروب المذل للقيادات (الكرتونية) والأفراد الذين رضوا أن يكونوا أداة قمع وإذلال لأبناء شعبهم من الطائفة السنية الذين كانوا يشكلون السد والحصن المنيع للخطر التوسعي القادم من الشرق.
قد تكون داعش ومكونها الأساسي دولة العراق الإسلامية والتي كانت تتواجد منذ أعوام في بعض مدن العراق كالفلوجة هي قائدة ما حدث في محافظات العراق السنية، ولكنها لم تكن لتنجح لولا وجود حالة شعبية من الحنق والغضب الشديد عند أهالي هذه المناطق الذين عانوا من ظلم وجور حكومة بغداد الطائفية التي تخلت عن جميع إلتزاماتها مع أبناء العشائر والصحوات الذين ساعدوها في دحر الإرهاب بل زادت في قمع أبنائهم وإيقاف حتى رواتبهم.

عندما لا يكون للجيش عقيدة قتالية وولاء للوطن، فمهما كان تسليحه فإنه سينهار لا محالة مع أول اختبار فعلي للحرب، وهذا ما حدث في نينوى وتكريت حيث رأينا فيها آلاف الجنود يقادون باستسلام في حراسة أفراد قليلين!.
هم أرادوه كذلك جيشا طائفيا ضعيفا لا يمثل جميع أبناء العراق ليسهل الطريق أمام أسيادهم القادمين من الشرق لفيالق جيش القدس لكي ينفذوا مخططاتهم و يزيدوا معاناة العراقيين ويحيل العراق سوريا أخرى من الاقتتال الفظيع والدمار. أمريكا التي أحالت الشرق الأوسط إلى «فوضى غير خلاقة» تارة بتدخلها في العراق وتارة بعدم تدخلها فيما يحدث من إبادة جماعية للشعب السوري, ليس بمقدورها أن تفعل الكثير كما صرح أوباما إلا أن يتفق الساسة العراقيون ويغلبوا مصلحة الوطن، الذي أوشك على التقسيم الطائفي كما خطط له سابقا، أمريكا لن تتدخل في أتون هذا الاقتتال طالما أمنها القومي لم يتأثر وإنتاج النفط تم تأمينه من قبل أصدقائهم الكرد.
حكومة المالكي أثبتت فشلا ذريعا في حكمها للعراق، وفي اعتقادي أنها لن تقوم لها قائمة حتى لو أخمدت هذا الحراك في غياب أفق سياسي أو حلول لمعاناة المناطق السنية التي أريد لهم أن يكونوا أقلية مسلوبة الحقوق في بلد يعرف التاريخ والجغرافيا من هم الأكثرية فيه!.
لا بد أن يعي العراقيون خطر تقسيم العراق على أساس طائفي والمؤامرات التي تحاك ضد الأمة العربية من أعدائها المعروفين، الذين استباحوا أرض الشام بفيالقهم وأحزابهم ثم عرجوا على العراق دفاعا كما يدعون زورا وكذبا عن عتباتهم المقدسة، وهمهم الأساسي هو التوسع والتغلغل في العالم العربي لتصل حدودهم إلى البحر المتوسط وهو ما يسعون إليه!..
يجب أن يغلب حكماء السنة والشيعة العرب العراقيون مصلحة وطنهم واستقراره فوق مصالح الأحزاب الضيقة الي أكلت خيرات العراق وأحالت غالبية الشعب العراقي إلى فقراء ويسعون إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني لا طائفية تلم الشمل وتساعد على بناء الوطن وتعيد الحقوق لأصحابها، وتبني جيشا عراقيا قويا يحرس الوطن ويصون تعهداته، وتساعد في إغاثة وإعادة أكثر من مليون نازح من الأنبار والموصل إلى ديارهم.