-A +A
عبدالرحمن الحبيب
الخطوة التي قامت بها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بالقيام بتجربة الترجمة الفورية لخطبة الجمعة في المسجد الحرام تمهيدا لتعميمها على المسجد النبوي بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تعد نقلة تقنية وحضارية رائعة يشكر القائمون عليها كافة حيث أعطت الفرصة للمصلين غير الناطقين باللغة العربية لأن يسمعوا ويتدبروا خطب الجمعة بلغتهم الأم بفهم ووضوح بعد أن كان من لايجيد العربية يتململ وربما ينعس أو يتحدث مع بني جلدته لأنه لايفهم جيدا ماذا يدور في الخطبة ولعل تجربة الترجمة الفورية أفضل من التجارب والأفكار الأخرى كأن تلقى الخطبة بالعربية ثم بعد ذلك تلقى بلغة أخرى أو تخصيص مساجد لإلقاء الخطبة بلغات الجاليات الإسلامية، ولذلك أتمنى أن تتبنى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد هذه الفكرة الفريدة وتعممها مثلا على خمسة مساجد في كل من المدن الكبيرة في شمال المدينة وجنوبها وشرقها وغربها ووسطها أما في المدن الصغيرة ربما يكتفى بمسجد أو مسجدين خاصة أن الوزارة قامت وتقوم بتجارب أخرى من هذا القبيل والمعروف أن تجربة الترجمة الفورية تكون متزامنة مع الخطبة باللغة العربية وتتطلب مترجمين من كل لغة وغرف ترجمة معزولة صوتيا، وبثا صوتيا عبر ترددات محددة ومن خلال شبكة داخلية وأجهـزة وسماعات خاصة لكل مصلٍ يختار قناة اللغة التي تتناسب معه وخاصة بلغات الجاليات الاندونسية والفلبينية والهندية والبنجلاديشية والباكستانية والاثيوبية. كما أن هذه النقلة التقنية ينبغي أن يصاحبها نقلة في تطوير أداء وأسلوب ومحتوى الخطبة بما يتلاءم مع قضايا هذا العصر ومتغيراته وبشكل لا يتعارض مع أركان الخطبة ومتطلباتها الشرعية.
لابد أن تكون الخطبة قيمة مضافة واضحة الأهداف والمقاصد وتطرح حلولا عملية تصاغ في شكل إبداعي وبأسلوب يجمع بين الفائدة والجاذبية والتشويق والتميز والتركيز الشديد وخاصة إذا أدركنا أن العدد الأسبوعي لخطب الجمع في المملكة يزيد على 15 ألف خطبة، وإن كنت أتمنى أن تكون خطب الجمعة قوية وفي مساجد أقل فذلك خير وأفضل من خطب ضعيفة في مساجد أكثر فالعبرة والنتيجة بالجودة والإتقان لا بالكثرة والضعف، ففي دراسة للدكتور مقرن المقرن تؤكد أن 44% من الجمهور يرى أن خطبة الجمعة تعاني من تقصير في ارتباطها بما يحدث في المجتمع من مستجدات..

خطبة الجمعة ينبغي استثمارها والاستفادة منها في توجيه الرسالة الوسطية لتعاليم الدين ومصالح المجتمع ولابد أن تكون مبنية على عمق علمي مستمد من العلوم الشرعية والدراسات والأبحاث والتجارب الحية والمعلومات الدقيقة والتفاعل مع القضايا الساخنة بما يدعم مصالح الدولة ويحفظ لها أمنها واستقرارها ونموها.. أمامنا الكثير من القضايا التي تحتاج إلى وجود منظومة شاملة ومتكاملة لاختيار وتهيئة الخطيب المناسب وتقنين الخطب بشروط ومواصفات دقيقة مع آليات دقيقة للتقويم والمراجعة والتدريب المستمر والتطوير والمواءمة بين متطلبات الشرع وحاجات واقعنا الحاضر وتطلعاتنا للمستقبل والمبني على صناعة الخطيب المبدع وفق أسس ومعايير الاتصال الخطابي الفعال.. خطبة الجمعة فرصة قوية ونادرة يختص بها المجتمع الإسلامي دون غيره من المجتمعات الأخرى. فقضايا الفساد والغش والرشوة والجريمة والمخدرات والانحراف والعنف الأسري والبطالة والبيئة والنظافة وحماية الممتلكات العامة وغيرها من القضايا تحتاج لمن يتصدى لها ببراعة وإتقان في خطب الجمعة وبالجودة والأساليب والمفاهيم التي ذكرتها.