-A +A
حمود أبو طالب
خرجت مع عائلتي إلى متنزه طبيعي (park) في أطراف إحدى المدن الأمريكية الصغيرة، ووجدنا متنزها يمتد على مساحة كبيرة من الهكتارات تتوسطه بحيرة جميلة والمكان بطوله وعرضه في غاية النظافة والترتيب، والناس تستمتع بالجو الجميل في هدوء واحترام لخصوصية بعضهم، وكل احتياجات الإنسان من خدمات أساسية متوفرة ونظيفة وموزعة في كل أرجاء المكان. طبعا هذه المعلومة يعرفها كل من خرج إلى أرض الله وبلدانها، ولم أوردها هنا إلا لأني رغم ذلك المكان البهيج شعرت بغصة عندما تذكرت ما قاله ذات مرة الصديق الشاعر محمد زايد الألمعي عن التأثير السلبي لافتقادنا الأمكنة العامة، وغياب ثقافة المكان العام لدينا، وكيف أن بعضنا يسافر وهدفه الأساسي الاستمتاع بحياة المكان العام مع الآخرين.
بالفعل نحن مجتمع غريب عجيب، نعيش الحياة بانفراد وعزلة عن بعضنا البعض وليست لنا حياة مجتمعية نتشارك فيها بشكل طبيعي كبقية البشر. فالإنسان مهما كانت إمكاناته المادية جيدة، ويستطيع توفير كل شيء في منزله إلا أنه يحتاج بالضرورة إلى مكان عام كيفما كانت طبيعته، حديقة، مقهى، مكتبة عامة، مهرجان، كرنفال، مناسبة رياضية أو ثقافية، أو أي شيء آخر يجمع الناس بحسب ميولهم ورغباتهم وهواياتهم. نحن كعائلات سعودية لا نستطيع أن نكون طبيعيين في أمكنة عامة لأنها غير موجودة، وحتى الأماكن المخصصة لنصف المجتمع الرجالي على أنها أمكنة عامة تغشاها الكآبة ويبدو الضجر واضحا على ملامح مرتاديها.

هذا الوضع غير الطبيعي نتجت عنه أزمات نفسية، وجعل الكثير منا يفتقدون الطريقة الصحيحة للتعامل مع الآخرين، وأصابنا بتشوهات في علاقاتنا حتى داخل الأسرة الواحدة.
هناك أشياء كثيرة نفتقدها رغم كونها ضرورة لحياة الإنسان، وهناك أشياء كثيرة نخترعها رغم ضررها الكبير على حياته. فمتى نكون مجتمعا يعيش الحياة ببساطة وسهولة وبشكل طبيعي كبقية خلق الله؟