-A +A
محمد بن علي الهرفي
لم يعرف التاريخ صراعا أسوأ من الصراعات الطائفية والدينية؛ وفي تاريخنا الحديث شواهد مؤلمة بعضها حدث في أوروبا وهو الصراع الذي كان بين النصارى الكاثوليك والنصارى البروتستانت والذي ذهب ضحيته مئات الآلاف من القتلى من الجانبين مع أنهما جميعا ينتميان لديانة واحدة ولكن الفروق الدينية - التي لا يكاد يعرفها أحد من أحفادهم حاليا - هي التي جعلت بعضهم يخوض في دماء البعض الآخر دون أن يشعر بوخز الضمير بل إنهم كانوا يشعرون بالنشوة والسعادة وهم يقتلون بعضهم بعضا.
والحرب اللبنانية التي عايشها الكثيرون منا والتي استمرت قرابة سبعة عشر عاما كانت بين السنة والشيعة في بعض الأحيان وبين المسلمين والنصارى في أحيان أخرى، والتي خلفت دمارا هائلا في البنية التحتية مازالت آثارها باقية الى الآن، والأسوأ أنها خلفت آلاف القتلى والجرحى وأحدثت شرخا هائلا بين مكونات الشعب اللبناني الذي كان معروفا بتسامحه ولا أعتقد أن هذه الآثار ستزول سريعا، ولولا تدخل المملكة العربية السعودية في حل تلك المشكلة لربما كانت الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
الصورة الآن عادت وبقوة إلى العراق، ولكنها الآن بين سنة العراق وشيعته!! صحيح أن هذا الصراع برز قبل بضع سنوات وكان المحتل الأمريكي يغذيه لصالحه وصحيح أيضا أنه وجد من أبناء العراق أذنابا له ينفذون له ما يريد، ولكن هذا الصراع أصبح واضحا وكبيرا منذ تولي المالكي حكم العراق وانفراده بكل السلطات واحتقاره وتهميشه للمكون السني ورفضه لكل النداءات التي أطلقها السنة مطالبين بإصلاح أوضاعهم وأوضاع مناطقهم، لكنه رفض كل تلك النداءات، وزاد على رفضه باتهامهم بالإرهاب تارة وبإيوائهم للإرهابيين تارة أخرى!!
موقف المالكي العدائي للسنة ومن ثم قصف تجمعاتهم في الأنبار بالبراميل المتفجرة - على غرار ما يفعله بشار - جعلهم ييأسون من أي إصلاح وهذا ما دفعهم للثورة عليه، وهذا ما جعلهم - أيضا - يوفرون حاضنة جيدة لمقاتلي ما يسمى بـ(داعش) التي كانت ضعيفة في العراق حيث التقت المصالح بين الطرفين رغم الاختلاف الكبير بينهما في الأفكار والأهداف والمصالح.
سقوط الموصل وبعض المدن الأخرى وكذلك محاصرة بغداد من بعض جوانبها لم تكن (داعش) هي السبب فيه؛ بل كانت مشاركة وبدرجة أقل بكثير من مشاركة سنة العراق، لكن إعلام المالكي وايران ومن يدور في فلكهما حاولوا إلصاق ذلك كله بـ(داعش) لإيهام المجتمع الدولي أن الإرهاب هو وراء ما يحدث في العراق، وبالتالي فلا بد من تدخل هذا المجتمع للوقوف ضد الإرهاب!!
المالكي كما استدعى الحرب بين الحسين وبين يزيد في مناسبة سابقة فقد طلب من المرجعيات الدينية هذه المرة أن يفتوا لعموم الشيعة بوجوب الجهاد ضد السنة (الإرهاب كما يدعي!!) وللأسف سارعت هذه المرجعيات إلى الاستجابة فحولت الأمر إلى صراع بين السنة والشيعة بدلا من كونه مطالبة السنة بإصلاحات مستحقة لهم لم يستجب المالكي لها!
إيران بادرت كما يقال بإرسال فيلق القدس للمشاركة في قمع إرهاب السنة (إيران أنكرت)، والمالكي دعا الى تكوين ميليشيات بعشرات الآلاف للدفاع عن بغداد، وعلماء الشيعة طالبوا رجالهم ونساءهم بالقتال دفاعا عن مراقد أئمتهم! (من هدد هذه المراقد قبل اليوم؟.) وهكذا تسارعت النداءات الطائفية المقيتة التي ستحول العراق إلى لبنان آخر إذا لم يتداركها الله برحمته!! علماء السنة في العراق دعوا كل الثوار إلى عدم الإساءة للشيعة جميعا وكذلك مقدساتهم وممتلكاتهم وأيضا الممتلكات العامة للدولة، وهذه الدعوة قد تحد من المخاطر الكبيرة التي قد تتعرض لها العراق هذا إذا قابلها علماء الشيعة بدعوة مماثلة وابتعدوا عن الطائفية البغيضة التي قد تدمر بلدهم وتدمر جميع مكوناته.
ومن النتائج البغيضة التي أوصل المالكي العراق إليها دعوات الانفصال التي بدأت تظهر؛ فالأكراد قد يطالبون بالانفصال التام إذا ساعدهم التدهور الشديد على ذلك، وربما سنة العراق يفعلون الشيء نفسه إذا لم يجدوا بديلا عن ذلك ويبقى الجنوب للشيعة!! وهذا السيناريو من أسوأ ما يمكن أن يحصل إذا لم تتدخل دول الجوار لمنع ذلك.
مستقبل العراق في غاية الغموض ولن تسلم الدول المجاورة من تبعاته ومن هنا فإن على إيران أن تدرك أنها مخطئة في وقوفها إلى جانب المالكي في هذا الصراع القذر وأن مصلحتها أن لا تعادي الغالبية العظمى من المسلمين ولا الدول المجاورة لها أيضا، أما أمريكا فقد أخطأت عندما ساندت المالكي طويلا وجاء الوقت لتصحيح ما ارتكبته من أخطاء.
الطائفيون هم من سيكتوون بنار الطائفية أكثر من غيرهم، ومن مصلحة العراقيين جميعا إدراك الخطر الذي يحدق بهم، وعليهم إدراك استحالة عيش طائفة في العراق دون الأخرى على غرار ما كانوا عليه منذ مئات السنين.

malharfi@hotmail.com


للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 213 مسافة ثم الرسالة