-A +A
أحمد أبو عمرو الغامدي

من واقع تجربة شخصية في الدراسة والإقامة في بريطانيا لسنوات عديدة فإن مقتل الطالبة ناهد المانع وإن كانت بوادره عنصرية بلا شك كونها مسلمة محجبة إلا أنها لا تمثل لي إلا حادثة فردية لا توحي بأن بناتنا في بريطانيا خصوصا أو في الخارج عموما يعشن أجواء من العنصرية المجتمعية الكاملة والترصد والتربص المستمر، بل إنهن بخير ولكنهن بحاجة فقط لمزيد من الحذر بعد حدوث هذه الواقعة الأليمة.

فقد قضيت شخصيا سنوات عديدة ليست بالبعيدة متنقلا بين ثلاث مدن إنجليزية إحداها مدينة كولشستر التي قتلت فيها أختنا ناهد رحمها الله، وذلك عندما كنت مبتعثا من جامعة حائل لدراسة اللغة والماجستير والدكتوراة، وقد رافقتني زوجتي وكذلك أبنائي طيلة تلك السنوات والتنقلات، وقد كنت على اطلاع ومعرفة ومتابعة يومية لأوضاع أخواتنا المبتعثات ومنهن زوجتي التي درست بكامل حجابها برنامجي اللغة والماجستير في تلك البلاد، ولم نر من الإنجليز بفضل الله ما يوحي بالخطر الشديد على حياتهن، وغاية ما كنا نخشاه في بعض الأحيان هو نظرات بعض العامة غير المتعلمين أو تعليقاتهم الساخرة على بناتنا بسبب حجابهن الذي يبدو لهم منظرا غير مألوف إطلاقا بل وجدنا أن بعضهم يعتبره خطرا عليهن وعلى صغارهن كونهم لا يعرفون من هو الشخص المختبئ بين هذه الأطمار!! ولماذا يختبئ بهذه الطريقة!! وبالتالي أدركنا أن هناك نوعا من الرفض لحجاب بناتنا مرجعه كان غالبا ليس العنصرية بقدر ما هو نوع من الجهل به أو الاشمئزاز منه لدرجة أن بعضهم يستنكره ويعتبره شذوذا وخطرا على مجتمعهم!! تماما كما لو أن بعض النساء الغربيات أتين إلى بلدنا وأصررن على عدم الاحتشام والخروج والمشي شبه عاريات في الشوارع والأماكن العامة بحجة درجة الحرارة المرتفعة وبحجة أن هذا اختيارهن الشخصي الذي ينبغي أن نحترمه نحن!! فكيف سيكون منظر وسلامة هؤلاء الغربيات من قبل بعض أفراد مجتمعنا؟! وبطبيعة الحال أرجو ألا يفهم أنني أبرر ما حصل أو ما قد يحصل من اعتداء على بناتنا لا سمح الله في بريطانيا أو في غيرها من البلدان أو أنني أبرئ تلك المجتمعات من داء العنصرية الذي قد يصيب بعض أفرادها ضد الأجانب عموما أو المسلمين خصوصا، ولكن ينبغي أن نفهم نفسيات الناس في تلك المجتمعات حتى نضع الأمور في نصابها ونزن الأمور بميزانها، فمثل هذه الحادثة وبالرغم من وحشيتها إلا أنها لا تدل على رفض مجتمعي كامل أو ثقافة عنصرية سائدة، بل قد تكون نتيجة ردة فعل عنصرية غبية لا مسؤولة من شخص جاهل أو مجرم حاقد أو ثمل فاقد للوعي، وحجتي في هذا أن المدن البريطانية تعج بالألوف المؤلفة من بناتنا المبتعثات وهذه أول حادثة من هذا النوع الإجرامي ونسأل الله أن تكون الأخيرة، كما أن والد الطالبة ناهد قد ذكر في لقائه مع مذيع قناة الإخبارية السعودية أن ابنته الراحلة وأخاها كانا يعيشان في سلام وأمان في تلك المدينة ولم يسبق أن تعرضا إطلاقا لأي معاملة غير حسنة من أحد.

لذا فإنني أوجه رسالة لأخواتي المبتعثات في بريطانيا وبقية دول العالم بعد هذه الحادثة أن يجددن ثقتهن في الله سبحانه وتعالى أولا ثم في أنفسهن وفي المجتمعات التي يعشن فيها، فهي ليست مجتمعات وحشية لا يمكن الوثوق بها والاطمئنان إليها، ولكن عليهن فقط أن يرفعن من درجة حذرهن وأن يأخذن بكافة الاحتياطات اللازمة عند خروجهن للدراسة أو لقضاء الأغراض الضرورية، ومن ذلك أنه إذا لم تكن لديهن وسيلة نقل خاصة فليستخدمن وسائل النقل العام فهي أكثر أمانا، كذلك عليهن أن يتجنبن المشي لوحدهن وإن كان لا مفر فليمشين في الطرقات والأرصفة والممرات العامة مع بقية الناس وليتجنبن الممرات الجانبية الضيقة أو غير السالكة، وإذا أردن التسوق أو التنزه فمن الضروري أن يكن بمرافقة المحرم زوجا كان أو أبا أو أخا أو على الأقل ألا يذهبن فرادى وإنما بصحبة بعض أخواتهن أو صديقاتهن في بلد البعثة، كما أن عليهن بطبيعة الحال عدم الخروج من المنزل لوحدهن في وقت متأخر أو مبكر جدا من النهار، فضلا عن ضرورة حمل الهاتف الجوال باستمرار للاتصال بالشرطة أو بأي من المعارف في حال الخطر لا سمح الله.

ولأولئك الذين ينادون بوقف ابتعاث بناتنا للخارج نقول لهم نقدر رأيكم وخوفكم على بناتنا، ولكننا نعذركم لجهلكم بواقع الحال الذي يستلزم ابتعاثهن للخارج، فجامعاتنا تعج بألوف مؤلفة من المعيدات والمحاضرات اللواتي هن بحاجة لإكمال مسيرتهن التعليمية للحصول على الماجستير والدكتوراة التي تؤهلهن ليكن أكاديميات وباحثات فاعلات في مثل هذه الصروح العلمية، فضلا عن الألوف المؤلفة من الوظائف الأخرى ذاتها التي يشغلها حاليا غير السعوديات.

* عضو هيئة تدريس بجامعة حائل