يملك الدكتور حسين الجزائري وزير الصحة السعودي الأسبق أفكارا مبدعة ورؤية ثاقبة للكثير من القضايا الطبية، وهو ما جعل دول إقليم الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية تنتخبه على مدار 30 عاما رئيسا لإقليم الشرق الأوسط.
وفي حوار خاص مع «عكاظ»، أكد الجزائري على أن الحفاظ على الصحة وتعزيزها مسؤولية الدولة بكل مؤسساتها والمجتمع بكل تنظيماته، وأن تمويل الخدمات الصحية في المملكة يحتاج إلى مزيد من الدعم مقارنة بالاحتياجات، مؤكدا أن إعداد وتنمية الكوادر البشرية مسؤولية مشتركة بين التعليم والصحة والتخطيط، مطالبا بمراجعة مناهج كليات الطب للتحقق من توافقها مع الاحتياجات المجتمعية. وفيما يلي نص الحوار:
• أصبحت مديرا لإقليم الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية على مدار 30 عاما رغم أن فترة رئاسة المنظمة 5 سنوات وتجدد ولاية ثانية إذا رغب الأعضاء، كيف استطعتم ذلك، وما أبرز الإنجازات التي تحققت طوال تلك السنين؟
•• انتخابات المدير العالم لمنظمة الصحة العالمية وكذلك مديري الإقليم مثل إقليم الشرق الأوسط كانت مفتوحة وغير مقيدة بفترات، حتى جاء على رأس المنظمة مدير غير مرغوب فيه فأدخلوا هذا التعديل، بحيث يتم تولي المدير العام لفترة واحدة مدتها 5 سنوات، ويمكن تجديدها فترة ثانية فقط لمدة 5 سنوات أخرى، وتم تطبيق ذلك أيضا على مديري الأقاليم ومنها إقليم الشرق الأوسط الذي يضم باكستان وأفغانستان وإيران وكل الدول العربية ما عدا الجزائر التي تتبع الإقليم الأفريقي، وعندما تم اتخاذ هذا القرار كنت أنا في الولاية الرابعة، وهذا القانون أو التعديل لا يتم تطبيقه بأثر رجعي، فتم انتخابي فترتين بعد هذا التعديل، وبالتالي استمرت رئاستي لإقليم الشرق الأوسط بمنظمة الصحة العالمية لمدة 30 عاما، وهذا رقم قياسي لم يحققه أي شخص آخر في منظمة الصحة العالمية سواء على مستوى مديري الأقاليم أو على مستوى المدير العام.
أما عن فلسفتي في العمل بمنظمة الصحة العالمية، كنت أدعو دول الإقليم لاتخاذ القرارات، وهذا مهم جدا لتنفيذ هذه القرارات لأنهم إذا لم يشاركوا في هذه القرارات، ما هو الضامن لكي يتم تنفيذ مثل هذه القرارات، وطوال 30 عاما وهي فترة طويلة للغاية تغير الوضع الصحي في إقليم الشرق الأوسط، وكان من أبرز الإنجازات أننا وصلنا عام 1985 إلى تغطية أكثر من 80 % من تطعيمات شلل الأطفال على مستوى كل دول الإقليم، كما أن دول الإقليم تخلصت من داء الفيل والدولة الوحيدة التي لم تتخلص من هذا المرض هي دولة جنوب السودان التي لحقت بالإقليم الأفريقي، وبالتالي أصبحت دول الشرق الأوسط خالية تماما من مرض داء الفيل، كما أن المنظمة لعبت دورا كبيرا في نشر الأنظمة الطبية والتعليم الطبي في دول الإقليم، وفي جيبوتي مثلا لم يكن فيها كلية طب، وكانت جيبوتي ترسل طلابها لدراسة الطب في فرنسا، وكان غالبية من يذهبون للدراسة في فرنسا لا يعودون لبلادهم، وربما الأقل تميزا والذين لا يجدون فرصة للعمل في فرنسا هم فقط من يعودون لجيبوتي، لذلك سعينا إلى تأسيس كلية للطب التي حضرت تخريج أول دفعة منها، كما أننا عملنا في السودان على تأسيس مجلس التخصص الطبي السوداني وكان له دور كبير في نشر التخصصات الطبية في السودان، وفي المملكة العربية السعودية الآن هناك 18 كلية للطب، وهناك مثلا كلية طب في كل مقاطعة من مقاطعات إيران التي كانت تستعين بالأطباء والممرضين من الخارج، حتى وصلت إلى اكتفاء ذاتي في الطب والصيدلة والتمريض نتيجة التركيز على التعليم الطبي. ومن الإنجازات التي تحققت، التعاون الكبير بين منظمة الصحة العالمية والمملكة العربية السعودية خاصة فيما يسمى «بطب الجموع» وهو الذي يتعلق بوقاية أعداد ضخمة من الناس كما هو الحال في العمرة والحج ومباريات كرة القدم وغيرها، وقد استطاعت المملكة امتلاك الخبرة في هذا المجال نتيجة تعاملها مع مواسم الحج والعمرة حتى أصبحت من الدول المميزة والقادرة على التعامل مع الحشود في مختلف المواسم والظروف، فحصول الحاج أو المعتمر على وجبة طازجة وسط حشود من ملايين الحجاج أو المعتمرين ليس سهلا.
• ما هي الجهة المنوط بها تقديم الخدمات الصحية في المملكة، هل هي وزارة الصحة السعودية أم أن هناك جهات أخرى؟
•• الحفاظ على الصحة وتعزيزها مسؤولية الدولة بكل مؤسساتها، والمجتمع بكل تنظيماته وليس وزارة الصحة وحدها التي عليها دور المنسق، والمفروض أن تكون وزارة الصحة، لكن هناك جهات أخرى تشارك وزارة الصحة في عملها، فالجيش يقدم خدماته، والحرس الوطني يقدم خدماته الطبية، والمستشفيات الجامعية أيضا تقدم خدماتها الصحية، وكذلك وزارة التربية والتعليم، وقد أحصينا حوالي 12 جهة في المملكة تقدم خدمات صحية، لكن المسؤولية الأولى تقع على وزارة الصحة، لأنه عمليا لا تستطيع الوزارة رفض علاج أي مواطن مهما كان الجهة التي يتبعها أو تقدم له الخدمة الطبية، وسبق أن تقدم مقترح لوزارة الصحة لعمل مجلس صحي يحدد السياسات الصحية للدولة وتوزع مهامه على هذه الجهات.
• ماذا تم في هذا الخصوص وهل توجد معوقات تحول دون تحقيق هذا الهدف موضع التنفيذ؟
•• الموضوع لدى الجهات ذات الاختصاص.
• يقال أن المملكة تدفع مبالغ طائلة نظير تقديم الخدمات الصحية، إلا أن زيادة نسبة السكان تحول دون تقديم خدمة طبية كاملة، كيف ترى هذا؟
•• لا زال تمويل الخدمات الصحية ضعيفا مقارنة بالاحتياجات خاصة إذا ما قورنت بالدول الغربية المتقدمة، وعندما تعمل خطة لا بد أن تكون هناك تكلفة، والتكلفة تعتمد على نوع الخدمة التي تريد أن تقدمها، هل هي خدمة كاملة أم تريد مشاركة الأفراد في هذه الخطة، وفي منظمة الصحة العالمية تتحمل 80 % من التكلفة ويتحمل الأفراد 20 %، لكن الحالات الصعبة بما فيها الأدوية تتحملها المنظمة بالكامل، وفي المملكة التأمين الصحي لغير المواطنين تتكفل به شركات تأمين خاصة، والمفترض في شركات التأمين الصحي أن تكون شركات كبيرة ولديها خبرة، لكن شركات التأمين الطبي في المملكة حديثة ولا يوجد ضامن أن تكون هذه الشركة موجودة عندما يحتاجها المريض بعد 20 أو 30 عاما.
• البعض يرى أن الواقع الصحي ما زال مرتبكا، كيف يتم تطوير النظام الصحي، وكيف يمكن تحديث المرافق الصحية؟
•• للأسف يتم بناء المستشفيات ولا يتم تحديد مبالغ للصيانة، وبالتالي ينهار جزء من الخدمة المفترض أن تقدمها هذه المستشفيات، فالمعروف أن تكلفة الصيانة تصل لحوالي 30 % من التكلفة الإجمالية للمستشفى تشمل صيانة المبنى والمعدات وتجديد الأجهزة.
• إذن ما هو النظام الصحي المناسب؟
•• كل دول العالم تشكو من نظامها الصحي، وبالنسبة للصحة يتطلع الإنسان إلى الكمال، ويوجد في المملكة المتحدة أفضل الأنظمة الطبية ورغم ذلك هناك انتظار، لذلك ترسل الحكومة البريطانية بعض حالات العيون للعلاج في الهند، والنظام الصحي من الأمور المعقدة للغاية، ولا بد من القيام بالكثير للحصول على الحد الأدنى من رضا الجمهور.
• كيف ترى مشكلة الكادر البشري الطبي خاصة في مجال التمريض، وهل هناك علاقة بين العادات والتقاليد التي تمنع الفتيات من الانخراط في مهنة التمريض؟
•• إعداد وتنمية الكوادر الصحية مسؤولية مشتركة بين وزارات الصحة والتعليم والتخطيط وجميع الجهات التي تقدم خدمة طبية، ولا بد من مراجعة مناهج كليات الطب للتحقق من توافقها مع الاحتياجات المجتمعية مع الخطة الصحية المتكاملة، ولا بد من وجود هيئة رقابية لضمان جودة الخدمات الصحية سواء حكومية أو خاصة مع توجيه مزيد من الاهتمام في التعامل مع الأمراض المزمنة غير المعدية في حقلي الوقاية والتدبير الطبي، والكادر البشري وعندما كنت وزيرا في الفترة من 1975 حتى 1982 كان يوجد في الصحة حوالي 15 % من الأطباء سعوديين و85 % من الخارج، والآن وعلى الرغم من ارتفاع نسبة السعوديين من الأطباء إلا أن النسبة لا تزال بسيطة، وأتذكر عندما كنت في الوزارة شكلنا لجنة من وزارات التعليم العالي والصحة والتخطيط، للتخطيط للكوادر البشرية في القطاع الصحي، وبناء على ذلك شرعنا في بناء كلية الطب الرابعة في أبها، من أجل زيادة نسبة الأطباء السعوديين لأن الطبيب الوافد عندما يأتي إلى المملكة يكتسب خبرة على حساب المريض السعودي، وبعد ذلك يعود إلى وطنه.
أما فيما يتعلق بالتمريض، الجميع يعرف أن المجتمع مر بفترة لم يكن يتقبل فيها وجود الممرضة السعودية، وقد حاولنا في ذلك الوقت أن نغير تلك النظرة، وبتعاون الجميع استطعنا فتح مدرسة للتمريض في بريدة بمنطقة القصيم، وتمت الاستجابة لكل طلبات الفتيات في هذه المنطقة سواء ما يتعلق بفترة الدوام أو عدم العمل في الليل وغيرها، والآن وبفضل الله أصبح عدد طلبات التقدم لمهنة التمريض أكثر بكثير من القدرة الاستيعابية لمعاهد التمريض.
• هل الخدمات الطبية التي تقدم للمريض تتفاوت كما يقال بين مريض غني وآخر فقير؟
•• الخدمات الطبية والتعليمية مكفولة للجميع والطب لا يفرق بين غني أو فقير وبين قوي وضعيف الجميع يحصل على الخدمة الطبية اللازمة سواء كان يتلقى تلك الخدمة من القطاع الحكومي أو من القطاع الخاص والمريض الذي يبحث عن خدمة فندقية ليس مطلوبا من الدولة توفيرها له المطلوب هي الخدمة الطبية.
• هل توافق على عمل الكادر الطبي في القطاع الخاص بجانب عمله في القطاع الحكومي؟
•• النظام الأمثل موجود في بريطانيا ويقوم على أن من يعملون بدوام كامل في القطاع الحكومي لا يحق لهم العمل في القطاع الخاص، لكن يتم التعاقد مع البعض للعمل لساعات محددة وهؤلاء يمكن لهم العمل في القطاع الخاص، وفي المملكة الموظف محسوب دوام كامل على الدولة وفي نفس الوقت يعمل في القطاع الخاص.
• هل الإبل سبب في انتشار فايروس كورونا في السعودية؟
•• الإبل تحمل مضادات لهذه الفيروسات لكن الإنسان الذي يتعامل معها ليست لديه هذه المقاومة، ومعظم الإصابات جاءت من المستشفيات وهذا يدل على أن خدمة المستشفيات أقل من المطلوب، وتحولت المستشفيات إلى مكان لنشر العدوى، وأنا أنصح المواطن بعدم التردد على المستشفى إلا في الحالات الصعبة، ولا ننسى أننا في حاجة إلى التركيز على التوعية من مخاطر هذا المرض وغيره ولا بد من سرعة تطوير برامج مكافحة العدوى في المستشفيات مع استخدام أسلوب الشفافية في التواصل مع المجتمع.
• سبق أن طالبتم بتعريب الطب، لماذا؟
•• تعريب الطب يحتاج لقرار سيادي يضمن توفير الإمكانيات اللازمة للتأليف والبحث والترجمة، ولا يمكن أن نتقدم ونحن نفكر بلغة أجنبية ونتعامل باللغة العربية، ومن يدعي أن الدراسة باللغة الإنجليزية ضرورة لمن يريد التخصص في الخارج، نقول له إن نسبة من يتخصصون في الخارج نسبة ضئيلة للغاية، ومع ذلك يمكن تعريب الطب ودراسة اللغة الإنجليزية كلغة للتخاطب والتعامل وليس كلغة لدراسة الطب.
• بماذا تنصح وزير الصحة الحالي؟
•• أعتقد أن وزير الصحة من الكفاءات القادرة على النهوض بهذا الجهاز الحيوي والهام، وأتمنى له التوفيق.