-A +A
محمد الحربي
ليس غريبا على الكيان الصهيوني كل هذا الصلف والهمجية والإيغال في الدم الفلسطيني والانتقام الذي تؤججه الحكومة الإسرائيلية، ليس بين العسكريين الإسرائيليين وحسب، ولكن بتحريض المدنيين الصهاينة «إن كان هناك صهيوني مدني» على قتل الفلسطينيين «أطفالا ونساء وشيوخا وشبانا» انتقاما لمقتل اليهود الثلاثة المختطفين الذين عثر على جثثهم لاحقا في مدينة الخليل.
عودتنا ما تسمى «إسرائيل» على امتهان قيمة الدم العربي وقيمة الإنسان العربي؛ ليس من خلال قتلها لعشرات بل مئات وآلاف الفلسطينيين مقابل مقتل أو اختطاف يهودي واحد وحسب، ولكن حتى من خلال صفقات تبادل الأسرى التي تطلق فيها سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، ليس مقابل يهودي حي مختطف أو أسير فقط، بل مقابل بقايا عظامه لا أكثر، في امتهان صارخ لقيمة الإنسان العربي الذي تتمنى إسرائيل فناء جنسه كاملا، وتعزيزا لقيمة اليهودي حتى لو كان مجرد رفات هالك واحد!!.

انتقامية الصهاينة من خلال توسيع دائرة القتل وضرب المدن الفلسطينية وقتل الفلسطينيين واعتقالهم بالجملة، لا يمكن تفسيره إلا من خلال ضرب الكيان الصهيوني بكل المواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية عرض الحائط، بحماية ورعاية أمريكية كاملة، حتى لو طالبت واشنطن إسرائيل مطالبة خجولة بضبط النفس في العلن، وإطلاق يدها للعربدة والانتقام المفتوح سرا مفضوحا يعلمه ويوقن به الجميع!!.
كل هذا ليس بغريب على الكيان الصهيوني كما قلت، ولكن الغريب هو:
الجماعات الإرهابية التي سمحت منظمة حماس الحاكمة في غزة بدخولها إلى سيناء، وكميات الأسلحة الكبيرة التي أدخلتها لقتل المصريين، أين هي عن دخول إسرائيل والذود عن التراب الغزاوي والدم الفلسطيني؟!
تنظيم داعش وجبهة النصرة وتنظيم القاعدة وحزب الله وجماعة الإخوان المسلمين «الذين تنتمي لهم حماس» في مصر وفي تونس وفي تركيا وفي ليبيا وفي السودان وفي سوريا وفي الأردن وفي الخليج والحوثيين في اليمن وإيران التي يتشدق زعماؤها بمحو إسرائيل من على الخريطة، كل هؤلاء أين هم عن غزة؟! لماذا لا يجيدون إلا قتل المسلمين فقط، ولا ولن تهتدي بوصلتهم لتل أبيب أبدا؟!
هل يمكن تبرئة قيادات حماس من وزر كل هذا الدم الفلسطيني المراق على أيدي الصهاينة؟!
بالتأكيد لا، حماس ليست بريئة أبدا، وجماعات الإسلام السياسي الإرهابية التي تنهك قوى العرب الآن، وتقتل المسلمين في العراق وسوريا لا يمكن أن تكون بريئة أبدا، فجميعهم يعملون لخدمة الكيان الصهيوني، بل هم جنود صهاينة يحاربون عن إسرائيل بالوكالة!!
لقد أصبح السؤال عن الدور الغائب للمنظمات الدولية والإقليمية، هيئة الأمم المتحدة، مجلس الأمن، منظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، مجرد سؤال باهت مكرور بلا إجابة!!
معظمها منظمات هشة وعاجزة عن تفعيل دورها، ومحكومة بهيمنة وطغيان القوى العظمى، ولا يمكن التعويل عليها أبداً، وليأخذ المسلمون والعرب من تجاهل إسرائيل لها وللقرارات الدولية عبرة وعظة ومرشداً لكيفية التعامل الصحيح مع المنظمات الدولية!!
هي ليست دعوة لإشاعة فوضى عالمية، ولكنها دعوة لتطبيق سياسة الكيل بمكيال واحد، عوضا عن الكيل بمكيالين الممارسة حاليا ومنذ عقود خلت، لعل هذه المنظمات تعيد النظر في نفسها، أو يفرض العرب والمسلمون واقعا جديدا على الأرض «هذا إن اتحدوا»!!.
احترمنا أنفسنا واحترمناها بما فيه الكفاية، لكنها لم تحترمنا ولم تقم لنا وزنا، وأهانتها إسرائيل بما يكفي، لكنها احترمتها وأقامت لها وزنا كبيرا جدا!!
إذا المعايير واضحة جدا، ولعل قراءة سريعة في أحداث العام 1973م، تعطينا مؤشرا لما يمكن أن يحدثه اتحاد الرؤية والمواقف لدى العرب!!.