-A +A
ماجد قاروب
أهم مقومات نجاح مركز التحكيم التجاري السعودي قد لا تكون متوفرة حتى الآن على الرغم من الاهتمام الكبير في السنوات الأخيرة من وزارتي العدل والتجارة وصدور نظام التحكيم المعدل ولائحته التنفيذية، إذ إن إنشاء مركز التحكيم السعودي يحتاج إلى عناصر طمأنة المستثمر السعودي قبل الأجنبي على رؤية وممارسة التحكيم كخدمة قانونية تقدم من رجال القانون والمحامين لمجتمع الأعمال لتسريع وتيرة التقاضي من خلال كفاءات مؤهلة متخصصة ذات علم ومقدرة لا تتوفر في القضاء العام ويدفع لأجلها الأموال عوضا عن القضاء العادي المجاني.
وحتى يطمئن المستثمر الأجنبي ويفكر في التحكيم السعودي مكانا وشكلا وموضوعا ومناخا وبيئة للعمل القانوني القضائي من خلال التحكيم، يجب أن تكون هناك هيئة للمحامين تعطي الضمانة والحصانة والرقابة المهنية للمحامي السعودي تعادل الرقابة القضائية أو المؤسسية العلنية أو الموضوعية في القضاء من خلال الاستئناف والمحاكم العليا، ومن غير ذلك سيكون من الصعب على مكاتب المحاماة الأجنبية التي تتحكم بكل أسف في معظم الأعمال التجارية الهامة للقطاعين العام والخاص بقبول التحكيم السعودي على حساب محكمة التحكيم التجاري الدولية بباريس ICC أو مركز دبي للتحكيم أو محكمة التحكيم الإنجليزية أو الغرفة العربية للتوفيق والتحكيم.

ولذلك على وزارتي العدل والتجارة التضامن للعمل على خلق بيئة عدلية قانونية أفضل للعمل القانوني والقضائي وبشكل عاجل للقيام بإجراءات قانونية وتشريعية يأتي في مقدمتها من قبل وزارة العدل وديوان المظالم المنع الفوري لعمل غير المحامي المرخص أمام القضاء وخاصة التجاري والإداري والجنائي والعمالي وأمام جميع اللجان القضائية في مختلف الأجهزة والمؤسسات الحكومية وأن تعلن هيئة المحامين وأن يكون منح رخص المحاماة مرتبطا بتدريب علمي وعملي وكذلك التجديد يجب أن يرتبط بالتدريب الدائم والمستمر، وعلى وزارة التجارة أن تلغي رخص التعقيب أو أن يتم التأكيد على عدم تجاوزها في أنها مخصصة للاستقدام والجوازات ومكتب العمل، وكذلك إلغاء رخصة تحصيل الديون الذي أصبح عملا قضائيا صرفا بعد صدور نظام التنفيذ وأن تمنع مراجعة غير المحامين أمام إدارات الشركات والعلامات والأسماء التجارية لخلق محامين متخصصين في الملكية الفكرية وأن يمتد المنع كذلك إلى غيرها من الأعمال المتعلقة بالعقود والاتفاقيات مثل الوكالات والتوزيع والامتياز التجاري لرفع مقدار تجارب وأعمال وخبرات المحامي السعودي وتخصصه في أعمال العقود والاتفاقيات التجارية، وتعميم هذه التجرية على الوزارات والهيئات الحكومية التي تمنح تراخيص تجارية ومن أهمها النقل والطيران والنفط والكهرباء والبلديات وغيرها من الأعمال، وأن تفرض هيئة سوق المال على الشركات المساهمة لتعزيز مبدأ الشفافية والحوكمة وجود إدارات قانونية أو تعيين مكاتب المحاماة وفي مقدمتها شركات التأمين والبنوك.
وعلينا أن نحول فكر وثقافة المجتمع ليكون أكثر تقديرا وتعاملا مع المحامي ورجل القانون المؤهل قبل أن ندفع الرجل العادي ورجل الأعمال دفعا إلى التحكيم بالجبر أو الضغط والإكراه على عكس مقصود التحكيم الاختياري لطرفي العلاقة التجارية فقط في اللجوء إلى درجة واحدة من التقاضي في بيئة ليست مهيأة حتى الآن في المجتمع لاحترام ثقافة وسيادة القانون، وعدم تكرار الخطأ التاريخي لوزارة التجارة التي فرضت على النساء والأطفال التحكيم في عقود الشركات عندما أرادت نشر ثقافة التحكيم وكل هذا سينعكس على عقود رجال الأعمال وقراراتهم وخياراتهم في التقاضي التي سيطر عليها الرجل العادي والإداري وليس رجل القانون والمحامي.
أما الحديث عن تعامل القضاء والقضاة لهذا التطوير الجذري لممارسة التحكيم التي تبدو في ظاهرها التشريعي ممتازة وإيجابية، فهو مكان لحديث آخر.