-A +A
عزيزة المانع
يقول أحد علماء السلف على سبيل الوعظ للناس: «كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور، فيقول: صدقتم.. ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملا فلا أدري أيقبله مني أم لا»؟
ورأى وهب بن الورد قوما يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين.

وروي عن غيره القول: «إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون».
وهناك غير ذلك كثير مما هو على غرار تلك العبارات المنكرة للابتسام وإظهار الفرح، حتى في يوم العيد الذي كان من سنته ــ صلى الله عليه وسلم ــ إظهار الفرح فيه. فبعض الواعظين لا يرى في الابتسام والفرح والانبساط سوى أنها صفات تبعد الإنسان عن ربه!!! فعنده الصلاح يرتبط بتجهم الوجه، والتقوى بتقطيب الجبين.
وأسوأ من هذا، ما يتعمده بعض الواعظين من زرع الشك في نفس المؤمن في أن عمله قد لا يكون مقبولا، وأن عليه أن يظل مكتئبا مبتئسا لاحتمال عدم قبول العمل، وذلك بدلا من أن يفرح بأن الله وفقه وأعانه على الطاعة!!
أمثال هؤلاء الواعظين يظنون أن أسلوب عملهم هذا يحفز الإنسان على الاجتهاد في التقرب إلى الله والإكثار من عمل الطاعات، وأنهم كلما ذكروا الناس أن عملهم قد لا يكون مقبولا وأن عليهم الحزن خوفا من سوء المآل، أدى ذلك إلى بذلهم مزيدا من الاجتهاد في العبادة، لكن الواقع يبرهن على غير ذلك، فأسلوب التذكير باحتمال عدم قبول العمل حتى وإن كان خالصا لوجهه الله، فيه تيئيس للناس، وإحباط لهم، فتفتر همتهم بدلا من أن ينشطوا، فمن طبيعة الشعور بالإحباط أنه يجلب الاكتئاب، والاكتئاب يسبب الخمول والفتور، فيكون لمواعظهم المحبطة أثر سلبي مضاد لما ينشدونه منها.
وإذا كان من الممكن أن نغفر لوعاظ السلف الذين يقعون في هذا الخطأ، على اعتبار أنهم يتكلمون على الفطرة وبحسب ما يمليه عليهم اجتهادهم وظنونهم غير المدعمة بمعرفة علمية صحيحة عن طبيعة الإنسان وأساليب التحفيز الناجحة، فإنه من الصعب أن نغفر لوعاظ الزمن الحاضر الذين يسيرون على خطو السابقين فينقلون عنهم ما قالوه من عبارات محبطة وباعثة على الاكتئاب والقنوط، ففي هذا الزمن بعد أن توصل الإنسان إلى معرفة بعض أسرار النفس البشرية، وصار بالإمكان تحديد الأساليب الأفضل في تعزيز السلوك المطلوب وشحذ الهمم، لم يعد مقبولا الوقوع في مثل تلك الأخطاء الوعظية، خصوصا أن كثيرا من الوعاظ الحديثين هم من فئة الشباب الذين يتوقع منهم أنهم اطلعوا على ما جاء به العصر الحديث من علوم مستجدة تتعلق بفهم الطبيعة البشرية بشكل أفضل.