-A +A
نوف محمد
في كل مرة أجلس فيها قبالة الشاشة الفضية، انتظر المخرجين والمنتجين والممثلين العرب أن يغيروا الصورة النمطية المأخوذة عنهم في غياب الروح الإبداعية القادرة على الابتكار وتقديم أعمال مغايرة لما هو سائد ونمطي ومكرور ومستنسخ، أجدهم يغرقون في كل ذلك، أعمال بلا مضامين، الدراما لا تحقق الحد الأدنى من مقومات العمل الدرامي، والكوميديا تستجدي الضحكات من شفاهنا بطرق ممجوجة ولا تحصل عليها، والتراجيديا عاجزة عن استدراج دمعة من عينيك الجاهزة للبكاء والولولة سلفا.
وفي شهر رمضان الكريم، والذي يحشد كل أولئك طاقاتهم وإمكانياتهم وجهودهم للاستحواذ على المشاهد العربي من المحيط إلى الخليج وإشعال جذوة المنافسة بين القنوات الكثيرة التي تملأ «ريسيفراتنا»، إلا أنك تفاجأ، أو بالأحرى «لا تفاجأ» بأن جل ما يقدم لم يتجاوز عملية إعادة تكرير ما قدم في رمضان الماضي، أو استنساخ مسلسل أجنبي، أو التطفل على برامج اليوتيوب والكيك ومقاطع الانستجرام، والتي يقدمها شبان وشابات مبدعون، لتقليد أعمالهم أو سرقتها أو التندر عليها، كما يحدث في «واي فاي» ــ على سبيل المثال، والذي يحضر في أسوأ حالاته هذا الموسم، أو نقل هؤلاء المبدعين الذين حققوا نسب مشاهدة عالية على الإنترنت إلى التلفزيون؛ للاستفادة من جماهيريتهم في رفع نسب مشاهدة قنواتهم، ولا أعتقد أنهم بذلك يقدمون جديدا أو يمكن أن يضيفوا نفس نسب المشاهدة التي كانت على الإنترنت؛ لأن الأخيرة تتميز بأنها أكثر حدثية من التلفزيون ويمكن استحضارها في أي وقت وبسرعة فائقة.

وفي الجانب الآخر تأتي المسلسلات العربية التي لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بشهر رمضان، ومع ذلك لا تحضر إلا في شهر رمضان، وتدور في ذات فلك المكرور والنمطي والمستنسخ والباهت الذي لا يقدم جديدا، ولا يثبت شيئا غير فشل العرب في الابتكار وعجزهم عن أن يكونوا خلاقين مبدعين، وفي مجال من أهم المجالات التي تعكس حضارة وتقدم الأمم وهو المجال الفني، والذي يعتبر ــ بلا شك ــ مرآة تعكس للعالم مدى التقدم الحضاري والإنساني، ووعي الفنانين والمثقفين من روائيين وكتاب سيناريو ومخرجين وممثلين بقضايا أمتهم وهموم الإنسان في بلدانهم ومجتمعاتهم، ومقدرتهم الحقيقية على ملامسة الحد الأدنى من هذه الهموم، أو إخراجهم منها بضحكة تستحق أن تخرج لما شاهدته.
وهنا يأتي دور المثقفين والإعلاميين والنقاد لتقييم هذه الأعمال بشفافية وبعيدا عن المحسوبية والمجاملات؛ لأن هذه رسالتهم الحقيقية تجاه أمتهم ودولهم ومجتمعاتهم، إذا ما أرادوا أن يتجاوزوا أطرهم المحلية المقدمة بصورة بائسة إلى العالمية، كما هو من المفترض أن يعمل عليه، وإذا كانت التجربة في المملكة حديثة بعض الشيء، ماذا عن مصر ولبنان والكويت؟! هناك مشكلة عامة ولا بد من الالتفات لها بعيدا عن لغة السوق و«المخرج عاوز كده»، والله الموفق.