-A +A
عبدالله السلطان
إنجازات المسلمين في رمضان كثيرة وعظيمة تشمل الانتصارات على أعداء الإسلام، وتحقيق الفتوحات، ونشر الإسلام، وبناء الدولة الإسلامية التي أنتجت الحضارة العربية الإسلامية فأعطت الإنسانية الكثير، وفي كل ذلك وغيره يذكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه الذي رسخ مبادئ الحق والعدل ونشر الأمن والسلام في دولة الإسلام الكبرى. فقد كان عمر قويا في الأمور الدنيوية مثلما كان قويا في الأمور الدينية، فأثبت أنه مثال المخلص لكل ما فيه خدمة الإنسانية والإسلام، فقد اشتهر بالجرأة على الابتكار وبالسبق في كل ما يهم الناس من مصالح دينية ودنيوية، فهو بحق مجتهد ويعتبر من أعظم المجتهدين. لقد أوقف في عهده حد السرقة عام الرمادة (عام المجاعة)، قبل إزالة مسبباتها، فعمر لم يكن بذلك مبتدعا وإنما كان حريصا على توفر الشروط التي تدعو لإيقاع عقوبة السرقة، فقد يدعو الجوع السارق لأن يسرق للضرورة، ومعروف أن الحدود تدرأ بالشبهات.
وإذا كان عمر هو الأول في إيقاف حد السرقة فهو أيضا أول من سن القيام في شهر رمضان. لقد اجتهد عمر عندما رأى الناس كل منهم يصلي التراويح منفردا فقرر جمعهم على إمام واحد بدلا من تفرقهم، فأمر أبي بن كعب ليصلي بالناس، كان ذلك في رمضان سنة 14هـ. وعندما رأى عمر الناس يصلون بصلاة إمامهم، قال: «نعم البدعة هذه»، وعمر لا يعتبر بذلك مبتدعا للتراويح إذ أنه كان يعرف أنها ليست أمرا جديدا أو إحداثا في الدين على غير ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، فعمر أحيا ما سبق أن أقره الرسول عليه الصلاة والسلام، فكانت التراويح تصلى جماعة في ليالي رمضان (غير الفريضة)، لكن الرسول عليه صلاة الله وسلامه، تركها عندما خشي أن تفرض فبدأ الناس يصلونها فرادى. وعن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، أن الرسول عليه الصلاة والسلام، «صلاها ليالي، فصلوها معه، ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر، وقال: إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها» (الصحيحين).

وفي ذلك يروى أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه، ذكر «أنه الذي حرض عمر على القيام في شهر رمضان، فقال عمر: يا أبا الحسن فحرض الناس على الصلاة حتى تصيبهم البركة، فأمر الناس بالقيام» ويروى عن عمر قوله عن رمضان: «مرحبا بمطهرنا من الذنوب». وعمر أدرك الحكمة من ترك الرسول، عليه الصلاة والسلام، التراويح، لكنه رأى بأن الحكمة انتفت بعده، وهكذا جمع عمر الناس للصلاة كما كان يجمعهم الرسول عليه الصلاة والسلام. ونتيجة اجتهاد عمر يؤدي المسلمون صلاة التراويح جماعة منذ إعادتها إلى يومنا هذا متقربين من الله بطلب القبول والمغفرة. والعبرة المستفادة من ذلك أن الاجتهاد في أمور الدين أولى به أن يصدر ممن هو أهل له وليس كما هو حاصل اليوم على شكل فتاوى يطلقها كل من يحلو له الإفتاء والاجتهاد، والله أعلم.