-A +A
سامي المغامسي (المدينة المنورة)
كل زائر إلى طيبة يسحر سمعه الصوت البديع الذي ينطلق من مكبرية المسجد النبوي الشريف، حيث تتجلى الروحانية والخشوع بكل معانيها، وتغمر الزائر السكينة وتتجلى الذكريات عبر المكان.. هو شرف عظيم لكل من يصعد هذا المكان والذي أذن بها الصحابي الجليل بلال بن رباح. والمكبرية هي المكان الذي يصعد إليه مؤذن المسجد النبوي لرفع الأذان.
الريس والتقنية

كان المؤذنون في المدينة المنورة قبل دخول التقنية الصوتية الحديثة يذهبون إلى الريس (تسمية تطلق على كبير المؤذنين ويؤذن في المئذنة الرئيسة) قبل الصلاة بمدة معينة متفق عليها معه، فيعطي كل واحد منهم مفتاح باب المنارة التي سيؤذن منها، فيذهب كل واحد منهم إلى المنارة ويصعد ذلك الدرج الطويل، حيث يصل عدد درجات المنارة الشكيلية إلى 140 درجة، ويبدأ الأذان بصاحب المنارة الرئيسية ثم السليمانية ثم المجيدية ومنارة باب السلام، وكان الأذان ينطلق من المنارات الأربع ليصل الأذان إلى جميع سكان المدينة في الجهات الأربع.
ولم يكن في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أي مآذن، ولا في عهد الخلفاء الراشدين.
تاريخ المكبرية
كان أول من أحدثها في المسجد النبوي الخليفة عمر بن عبدالعزيز أثناء توسعته عام 91 هـ، فقد بنى للمسجد 4 مآذن في كل زاوية من زواياه. وكان طول هذه المآذن حوالى 27.5 متر، ومساحتها 4×4 م. وقد كان في عمارة السلطان عبدالمجيد الأول 5 مآذن هي: المئذنة الشامية الغربية وتسمى (الشكيلية) و(الخشبية) و(المجيدية)، وموقعها في الركن الشمالي الغربي للمسجد، وقد أزيلت في التوسعة السعودية الأولى، وبني مكانها مئذنة أخرى، المئذنة الشامية الشرقية:وتسمى (السنجارية) و(العزيزية)، لعمارة السلطان عبدالعزيز الأول لها، وموقعها في الركن الشمالي الشرقي، وقد أزيلت في التوسعة السعودية الأولى، وبني مكانها مئذنة أخرى. المئذنة الجنوبية الشرقية:وتسمى (المئذنة الرئيسة)، وتحمل هذا الاسم إلى الآن، وهي المئذنة المجاورة للقبة الخضراء، وموقعها في الركن الجنوبي الشرقي للمسجد. وقد عمرها السلطان قايتباي 3 مرات أعوام 886هـ و888هـ و892هـ، واتخذ لها أحجارا سوداء، وزاد في طولها نحو 60 مترا، وهي الآن على عمارة قايتباي لها. المئذنة الجنوبية الغربية: وتسمى (مئذنة باب السلام)، وهي الآن موجودة منذ عمارة السلطان محمد بن قلاوون سنة 706هـ، وتقع في الركن الجنوبي الغربي من المسجد، وقد كانت مطلة على دار مروان بن الحكم، فأمر بهدمها لكشفها داره، ولم يزل المسجد على 3 مآذن إلى أن أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون بإنشاء الرابعة سنة 706هـ، المئذنة الغربية: وتسمى «مئذنة باب الرحمة»، عمرها السلطان قايتباي سنة 888هـ، وبنيت خارج جدران المسجد النبوي، ضمن الدار الملاصقة للمسجد قرب باب الرحمة، وهي الدار التي كانت مخصصة لسكنى المدرسة المحمودية. وقد أزيلت هذه المئذنة في التوسعة السعودية الأولى مع الدار والمدرسة لتوسعة ما حول المسجد النبوي.
هدم 3 مآذن
في التوسعة السعودية الأولى، هدمت 3 مآذن هي التي كانت عند باب الرحمة والمئذنة السنجارية والمجيدية في الجهة الشمالية، وبنيت مئذنتان في الركن الشرقي والغربي من الجهة الشمالية، وارتفاع كل منها 72 مترا، فأصبح للمسجد 4 مآذن في أركانه الأربعة. ثم في التوسعة السعودية الثانية، أقيمت في مبنى التوسعة 6 مآذن، 4 منها موجودة بالأركان الأربعة للتوسعة، ومئذنتان في منتصف الجانب الشمالي، بارتفاع 103.89م مع الهلال.
المكبرية
وأضيفت إلى المنارات الأربع بعد العام (1390هـ/1970م) نقطة أخرى للأذان تنطلق من المكبرية، وهو المكان المخصص للتكبير خلف الإمام. وعادة ما كان يوجد في المكبرية عند كل صلاة ما بين مؤذنين إلى ثلاثة، أما في صلاة التراويح فكان هناك ثلاثة مؤذنين يقومون بالتكبير خلف الإمام بالتناوب، وفي ليلة ختم القرآن يكون هناك ثمانية مؤذنين يتولى مؤذن صلاة المغرب بالتكبير لأربع ركعات، ومؤذن العشاء لأربع ركعات، ثم يتناوب البقية التكبير لـ12 ركعة، ركعتان لكل مؤذن منهم، وثمة أسر معروفة تخصصت في الأذان، فتوارثته أجيالا متعاقبة، ومن هذه الأسر آل نعمان، وآل النجدي، وآل الخاشقجي، وآل الديولي، وآل العينوسة، وآل الحكيم، وآل عفان، وآل المهنا، وآل الكردي، وآل السمان، وآل الغباشي، غير أن ذلك ليست قاعدة ثابتة، فقد تولى الأذان آخرون من أصحاب الأصوات الحسنة.
الأذان والتبليغ
لا تتوقف قواعد وبرامج عمل المؤذنين على الأذان والتسليم فقط، بل يقومون بالتبليغ خلف الإمام أثناء الصلاة. ومهمة التبليغ هي إيصال صوت الإمام إلى كافة المصلين في المسجد، فطريقة أداء المبلغ تختلف بين الركعة والأخرى التي تليها، فالركعتان الأولى والثانية دائما تكونان مختلفتين عن الركعتين الأخيرتين، وعادة ما تكون نبرة الصوت مرتفعة في أول ركعتين، وتنخفض في الركعة الأخيرة مما يساعد المتأخرين عن الصلاة على تحديد أي ركعة وصل إليها الإمام ومعرفة عدد الركعات التي فاتتهم، بإلاضافة إلى أداء تكبيرات العيدين بصفة فردية وتكبيرات صلاة الجنائز والنداء على صلاة الميت الغائب ونداء صلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء.