-A +A
شعر: نمر سعدي
قصيدة نرسيس
آه نرسيس.. نرسيس كم يا صغيري تعذبت؟
كم دوختك الرؤى؟
كم حلمت بأخرى سوى إريكا
(بشبيهتها أو وصيفتها مثلا)؟
كم تمرغت في نجمة لا تضيء
قلوب المحبين إلا بعاطفة من رماد وطين؟
كم النسوة المرهقات من الحب
سيجن وجهك بالاشتهاء البريء
لتعشقه ما حييت وتشقى به؟
وجهك الآن قد ضاع منك
بلا ندم في البحيرة أو في خطايا المرايا؟
وفي عام ألفينِ.. في شهر يونيو
هناك.. نسيت مكان التقائكما
(ربما كان في مطعم صاخب في نهايات حيفا)
أصابع قلبك ذابت على حجر
آه نرسيس كم قلت لي ببكاء الطيور الأليفة..
من فمها المتوغل في وردة الحب أو حطب المعصية
على بعد مليونِ عام تذوقت أنفاسها حينما
اختلطت بالنبيذ المكثف أو بالحليب
إلى آخر الليلِ والأغنية؟
*****

شاعر يتمرأى بعينيك
كمن يتقرى النسيم بعينيه
أو يتنزل من غيمة يبست في الأعالي
تحسست ظلك حتى أرى قمرا
ليس يرشد فاكهة الصيف فيك إلي
كمن يتمرأى بعينيك أهرق تيجان فلك
في عطش الكأس
أمشي على هديِ نوارك العذب..
أهجس ما ستقولين لي
بعد ليلِ حزيران عن مرض الحب؟
أو عن أصابع مثل زهور خلاسية
في حدائق ليلية ليس تبكي إلى الصبح إلا لأجلك؟
بعدي حزيران سوف يظل وفيا لعشاقه
منذ أقصى القرونِ
كما كان قبلك.
*****


رمية عبثية للنرد
الذكريات تلح من كل الجهات علي
من أقصى السماء ومن قرارة موجة في القلب
من قمر نهاري ومن شمس بتبريز القديمة
من وصايا جمرة فصحى ومن أسوار خيبر
كل أحلام الفراغ تلح
أسرار التشبث بالحياة
قصائد انحسرت -كفستانٍ يغطي ركبة بيضاء-
عن قلبي الذي شطرته أجنحة الفراشة
كي تصير خميرة بصرية ألواح عاطفتي
وكي أنسى هشاشة ذلك المطر المسائي
التأمل فيه أو فيما يذوب من التبسم
حول شمع الدمع...
كانت شمس تبريز الصغيرة
والمرصعةُ الخطى بالماس تلهو بي
وبين يدي بحر من برابرة
وفي مرمى الطيور قصيدة زرقاء
كانت لا تلوح لي كأي حمامة
بل تختفي في هيئة امرأة
وترفع خلف ظهري سور خيبر
ثم تكتب لي على شفتي
تلك حياتك افعل ما تشاء بها
فمثل قصيدة هي...
رمية عمياء أو عبثية للنرد.
******

فراشة لحزنِ إمرئِ القيس
بكت عينها والطائرات تحيلها
فراشة ضوء في الظلام ومرمرا
اذا ما شفاه القلب ذاقت دموعها
يطير حمام الماء من قبضة الثرى
فقلت لها لا تبك عينك إنما
نحاول حبا أو نموت فنعذرا
على الروح من حلم السراب غشاوة
بغير دمي الليلي شمسك لا أرى
ولست أربي نجمة ساحلية
بغزة إلا بالحنينِ أو السرى
******

مساء سريالي أخير
تشم القذائف عن بعد ألف سماء دمي
كالكلاب الشريدة أو كالبعوض
تجس ارتعاشات قلبي وتدخل مجرى النفس
كنت أحلم في شرفة البحر هذا المساء الأخير
بأشياء سرية وبحواء في جنة
خلف هذي السماء المصابة بالصمت والطائرات
وإسمنت أيامنا المتحرقِ
لا.. لست أحلم كنت أموت على شرفة البحر وحدي
وما زال بي رمق من تراب
ومازال بي شبق للحياة..
ولا.. لست أحلم
إن الحقيقة ليست تقال
وحواء ليست تنال
ولست أفرق ما بين خطوِ الحبيبة
حين تجيء.. وخطوِ العسس
بحر غزة صار رمادا مسجى
على شرفتي بدل الورد
يذروه هذا البعوض المفخخ بالعطش المفترس
وبالأيدولوجيا التي انتحرت فوق أسوار خيبر..
أو بعثت في قذائف هذا المساء الأخير
كأن دمي لا يزال طريدة رجس الكلاب
ورجس البعوض النجس.
*******

رسالة
أيها القمر الأزرق المورق العاشق السامق
السرمدي الجلي الصقيل الجميل
المعذب من دونِ حب
إذا عشت حتى الصباح
فقل لابنتي بأني سأرجع عند الغروب
ولامرأتي أنني لم أمت أبدا
عندما قتلوني بلا أي ذنب فعلت
ولكنني إذ أصبت بطلقٍ عوى في الضلوع
غفوت على غيمة من رذاذ الأقاح.
******

طواحين الهواء الطيبة
لم أكن أعرف يا دون كيشوت
أن محاربتك لطواحينِ الهواء في الأمس
تشبه إلى حد بعيد
تنقيتي غير المجدية لهذه الحياة من السفلة
فهم يتناسلون بكثرة غريبة
حتى من ذرات الغبار وأدخنة الشوارع الصدئة
الفرق الوحيد بيننا أنك لم تنهزم
في معركتك ضد طواحينِ الهواء التي كانت
طيبة جدا معك
بينما أنا في كل لحظة أتعثر بوغد لا وزن له ولا لون
يتسلى بصلب مدينتي الفاضلة.