في بداية شهر رمضان الحالي تداول الناس بشكل واسع قائمة شهيرة على وسائل التواصل تضمنت 30 سؤالا يتكرر طرحها غالبا في كل عام على مشايخنا الأفاضل بمناسبة الشهر الفضيل لمعرفة الحكم الشرعي بشأن بعض الممارسات بالنسبة للصائمين، وهل يؤدي القيام بها بشكل متعمد إلى إفساد الصوم أم لا؟ إلا أن بعض الفتاوى في تلك القائمة جعلتني أستحضر في ذهني موضوعا قديما حديثا هو ضرورة تجديد خطابنا الفقهي وجعله مواكبا للمتغيرات الهائلة التي استجدت على مختلف جوانب حياتنا ولم تكن موجودة أو مألوفة في العصور الإسلامية المتقدمة أو حتى منذ مطلع القرن الهجري الماضي.
ورغم أن بعض الفتاوى في القائمة أجازت أحكام ممارسات طبية عديدة مثل وضع قطرة العين أو استنشاق بخاخ الأكسجين إلا أنني وجدت أن فتاوى أخرى نصت على فساد صوم الصائم الذي يقوم بإجراءات طبية أخرى مشابهة ونظرا لأن الكثير من الأدوية ليست طعاما ولا شرابا بل تندرج ضمن الضرورات، فقد استشكل علي فهم سبب تحليل بعضها وتحريم البعض الآخر على الصائمين!
وأعتقد أن السبب في تفاوت أحكام تناول أو استخدام الأنواع المختلفة من العلاجات خلال الصوم يكمن في تركيز بعض الفتاوى على ظواهر النصوص وابتعادها عن المقصد الشرعي لفريضة الصوم التي تتلخص في تقوى الله عز وجل، والتقرب إليه بطاعته، والكف عن الأكل والشرب والجماع بمغالبة النفس على الشهوات، وهذا ما جعلني أكتب مقال اليوم مستهدفا طرح بعض التساؤلات وتداول بعض الأفكار مع القراء الكرام، وراجيا من شرعيينا إعادة النظر في بعض تلك الفتاوى "الرمضانية" وغيرها وذلك وفقا لرؤية جديدة مختلفة، تراعي حال المستفتين، وتواكب المتغيرات المعاصرة والمتسارعة.
أيضا فإن ثمة جزئية أخرى استحوذت على مساحة مهمة من تفكيري رغم عدم تخصصي في هذا الموضوع وتتعلق بمدى حق الناس في قبول أو عدم العمل بالفتاوى التي قد يعتقدون بتشددها أو عدم ملاءمتها لأحوالهم (الاضطرارية) طالما أن الفتاوى هي تنزيل واستخلاص لأحكام فقهية على وقائع محددة، بعضها اجتهادي، فضلا عن كونها ليست ملزمة مثل أحكام القضاء، كما أن الكثير منها يخضع للقياس لعدم وجود نصوص قطعية الدلالة بشأنها، ومن شروطها تمتع المفتي بالعلم الشرعي، وقدرته على مراعاة عناصر عديدة منها حال المستفتي، وعاملا الوقت والمكان اللذان تصدر فيهما الفتوى، إضافة إلى تحقيق هدف سام هو إعمال مقاصد شريعتنا الإسلامية السمحة في موضوع الفتوى.
ولعل العامل الأخير هو الأكثر أهمية في تقديري لأن صدور فتوى ما لا تأخذ في اعتبارها المقاصد الشرعية هو خلل قد لا يحقق الهدف المنشود منها وهو تقوى الله والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه بمعرفة وتطبيق الحكم الشرعي الصحيح أو المرجح لا سيما في الأمور المستحدثة التي لم تكن شائعة سابقا ومنها على سبيل المثال اضطرار المسلمين للصيام معظم ساعات اليوم والليلة تقريبا في بلدان تشرق فيها الشمس أكثر من عشرين ساعة في اليوم الأمر الذي يرتب عليهم مشقة عظيمة، وربما ينطبق على مثل حالتهم قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم)، ولعل هذا يتطلب اجتهادا فقهيا من شأنه التيسير على مسلمي تلك الدول بدراسة إمكانية صدور فتوى تبيح لهم تقدير مواعيد بديلة لوقت الصوم وهو من شروق الفجر الثاني إلى غروب الشمس وذلك قياسا على عدد ساعات الصوم في مكة المكرمة باعتبارها مهد الإسلام وقبلة المسلمين.
وبالعودة للقائمة المشار إليها أعلاه وجدت أن بعض الفتاوى فيها بحاجة للمزيد من التأصيل الشرعي لجعلها أقرب لتحقيق مقصد الشريعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر الفتوى بإفطار الصائم الذي قد يضطر لأخذ الإبر المغذية كعلاج آني لعارض صحي طارئ، وبأمر الطبيب وليس لرغبة المريض، وكذلك بالنسبة لاستنشاق البخور، أو وضع لصقات النيكوتين، في حين تجيز فتاوى أخرى أخذ الإبر العضلية والوريدية والجلدية، وكذلك الحال بالنسبة لإبر الأنسولين أو وضع أدوات التجميل والزينة للنساء حيث نصت القائمة على كونها ليست من المفطرات.
وأبرز تساؤلاتي هنا هو عن سبب عدم المساواة سواء في حكم الإباحة أو في عدم الجواز بين من يعاني عارضا صحيا مؤقتا خلال الصوم يتطلب أخذ محلول مغذ عبر الوريد، وهو ما تعتبره الفتاوى من المفطرات، وبين من يضطر لأخذ علاج لضبط مستوى السكر في الدم، والذي يبيحه العلماء ولا يعتبرونه من المفطرات! طالما أن الحالتين مرضيتان وقدريتان ومتشابهتان في الحاجة للعلاج "الطارئ" الذي لا يروي من العطش ولا يشبع من الجوع، والأهم من كل ذلك هو أن الصوم عبادة تقوم على إخلاص النية كونه أمرا إيمانيا بين الصائم وبين الله ــ سبحانه وتعالى ــ المطلع على النوايا وما تخبئه النفوس، ويحضرني هنا الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
ختاما، فإن دعوتي اليوم لتجديد خطابنا الفقهي تعود لمحدودية مساحة الاجتهاد في وقتنا الحاضر، وخشية بعض المفتين والباحثين الشرعيين من التغيير أو مقاربة التراث الفقهي السائد منذ زمن طويل الأمر الذي أخر ــ في تقديري ــ إيجاد رؤى شرعية جديدة تمتثل للثوابت الدينية وتستجيب في ذات الوقت للمستجدات، سائلا الله عز وجل أن يوفق علماءنا إلى استقراء كتاب الله الكريم والسنة النبوية المطهرة على نحو يؤدي لتطبيق المقاصد الشرعية والقواعد العامة بدون الإنحياز أو الارتهان لأقوال مفسرين قدماء بل الاستفادة من شروحاتهم وأقوالهم التي تلائم عصرنا، أخذا في الاعتبار أن هذه الدعوه لتجديد الخطاب الفقهي لا تقصد إدخال أمور جديدة على الدين الذي أكمله الله عز وجل بل الحث على استنباط مفاهيم جديدة لم تكن معروفة سابقا وبما لا يتصادم مع كليات ديننا الحنيف.
ورغم أن بعض الفتاوى في القائمة أجازت أحكام ممارسات طبية عديدة مثل وضع قطرة العين أو استنشاق بخاخ الأكسجين إلا أنني وجدت أن فتاوى أخرى نصت على فساد صوم الصائم الذي يقوم بإجراءات طبية أخرى مشابهة ونظرا لأن الكثير من الأدوية ليست طعاما ولا شرابا بل تندرج ضمن الضرورات، فقد استشكل علي فهم سبب تحليل بعضها وتحريم البعض الآخر على الصائمين!
وأعتقد أن السبب في تفاوت أحكام تناول أو استخدام الأنواع المختلفة من العلاجات خلال الصوم يكمن في تركيز بعض الفتاوى على ظواهر النصوص وابتعادها عن المقصد الشرعي لفريضة الصوم التي تتلخص في تقوى الله عز وجل، والتقرب إليه بطاعته، والكف عن الأكل والشرب والجماع بمغالبة النفس على الشهوات، وهذا ما جعلني أكتب مقال اليوم مستهدفا طرح بعض التساؤلات وتداول بعض الأفكار مع القراء الكرام، وراجيا من شرعيينا إعادة النظر في بعض تلك الفتاوى "الرمضانية" وغيرها وذلك وفقا لرؤية جديدة مختلفة، تراعي حال المستفتين، وتواكب المتغيرات المعاصرة والمتسارعة.
أيضا فإن ثمة جزئية أخرى استحوذت على مساحة مهمة من تفكيري رغم عدم تخصصي في هذا الموضوع وتتعلق بمدى حق الناس في قبول أو عدم العمل بالفتاوى التي قد يعتقدون بتشددها أو عدم ملاءمتها لأحوالهم (الاضطرارية) طالما أن الفتاوى هي تنزيل واستخلاص لأحكام فقهية على وقائع محددة، بعضها اجتهادي، فضلا عن كونها ليست ملزمة مثل أحكام القضاء، كما أن الكثير منها يخضع للقياس لعدم وجود نصوص قطعية الدلالة بشأنها، ومن شروطها تمتع المفتي بالعلم الشرعي، وقدرته على مراعاة عناصر عديدة منها حال المستفتي، وعاملا الوقت والمكان اللذان تصدر فيهما الفتوى، إضافة إلى تحقيق هدف سام هو إعمال مقاصد شريعتنا الإسلامية السمحة في موضوع الفتوى.
ولعل العامل الأخير هو الأكثر أهمية في تقديري لأن صدور فتوى ما لا تأخذ في اعتبارها المقاصد الشرعية هو خلل قد لا يحقق الهدف المنشود منها وهو تقوى الله والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه بمعرفة وتطبيق الحكم الشرعي الصحيح أو المرجح لا سيما في الأمور المستحدثة التي لم تكن شائعة سابقا ومنها على سبيل المثال اضطرار المسلمين للصيام معظم ساعات اليوم والليلة تقريبا في بلدان تشرق فيها الشمس أكثر من عشرين ساعة في اليوم الأمر الذي يرتب عليهم مشقة عظيمة، وربما ينطبق على مثل حالتهم قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم)، ولعل هذا يتطلب اجتهادا فقهيا من شأنه التيسير على مسلمي تلك الدول بدراسة إمكانية صدور فتوى تبيح لهم تقدير مواعيد بديلة لوقت الصوم وهو من شروق الفجر الثاني إلى غروب الشمس وذلك قياسا على عدد ساعات الصوم في مكة المكرمة باعتبارها مهد الإسلام وقبلة المسلمين.
وبالعودة للقائمة المشار إليها أعلاه وجدت أن بعض الفتاوى فيها بحاجة للمزيد من التأصيل الشرعي لجعلها أقرب لتحقيق مقصد الشريعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر الفتوى بإفطار الصائم الذي قد يضطر لأخذ الإبر المغذية كعلاج آني لعارض صحي طارئ، وبأمر الطبيب وليس لرغبة المريض، وكذلك بالنسبة لاستنشاق البخور، أو وضع لصقات النيكوتين، في حين تجيز فتاوى أخرى أخذ الإبر العضلية والوريدية والجلدية، وكذلك الحال بالنسبة لإبر الأنسولين أو وضع أدوات التجميل والزينة للنساء حيث نصت القائمة على كونها ليست من المفطرات.
وأبرز تساؤلاتي هنا هو عن سبب عدم المساواة سواء في حكم الإباحة أو في عدم الجواز بين من يعاني عارضا صحيا مؤقتا خلال الصوم يتطلب أخذ محلول مغذ عبر الوريد، وهو ما تعتبره الفتاوى من المفطرات، وبين من يضطر لأخذ علاج لضبط مستوى السكر في الدم، والذي يبيحه العلماء ولا يعتبرونه من المفطرات! طالما أن الحالتين مرضيتان وقدريتان ومتشابهتان في الحاجة للعلاج "الطارئ" الذي لا يروي من العطش ولا يشبع من الجوع، والأهم من كل ذلك هو أن الصوم عبادة تقوم على إخلاص النية كونه أمرا إيمانيا بين الصائم وبين الله ــ سبحانه وتعالى ــ المطلع على النوايا وما تخبئه النفوس، ويحضرني هنا الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
ختاما، فإن دعوتي اليوم لتجديد خطابنا الفقهي تعود لمحدودية مساحة الاجتهاد في وقتنا الحاضر، وخشية بعض المفتين والباحثين الشرعيين من التغيير أو مقاربة التراث الفقهي السائد منذ زمن طويل الأمر الذي أخر ــ في تقديري ــ إيجاد رؤى شرعية جديدة تمتثل للثوابت الدينية وتستجيب في ذات الوقت للمستجدات، سائلا الله عز وجل أن يوفق علماءنا إلى استقراء كتاب الله الكريم والسنة النبوية المطهرة على نحو يؤدي لتطبيق المقاصد الشرعية والقواعد العامة بدون الإنحياز أو الارتهان لأقوال مفسرين قدماء بل الاستفادة من شروحاتهم وأقوالهم التي تلائم عصرنا، أخذا في الاعتبار أن هذه الدعوه لتجديد الخطاب الفقهي لا تقصد إدخال أمور جديدة على الدين الذي أكمله الله عز وجل بل الحث على استنباط مفاهيم جديدة لم تكن معروفة سابقا وبما لا يتصادم مع كليات ديننا الحنيف.