قال نائب رئيس الوزراء العراقي الدكتور صالح المطلك إنه لا توجد تحركات دولية فعالة في الوقوف مع العراق لتصحيح مجرى العملية السياسية فيه، والتي أدت إلى تغلغل الإرهاب نتيجة لوجود ظلم وتهميش وإقصاء لمكون معين، ولعدم وجود إدارة حكيمة للبلاد تستطيع أن تديرها بشكل سليم. وأوضح في حوار لـ «عكاظ» أن النفوذ الإيراني في العراق يكاد يكون أقوى من دور الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية والأمم المتحدة مجتمعين.
كما استهجن دعوة بارزاني للاستفتاء على انفصال إقليم كردستان العراق، مؤكداً أن الكرد كانوا قبل حرب العراق شبه دولة مستقلة وهم اختاروا طواعية خيار الفيدرالية والانضمام إلى العراق الموحد. وقال المطلك، إن العراق أبرم صفقة السلاح الروسي مؤخرا للحاجة الماسة لمواجهة الإرهاب والجماعات المسلحة، ولأن الولايات المتحدة لم تف بوعدها بتسليح العراق في أسرع وقت. معا إلى نص الحوار:
? كمدخل لهذا الحوار: كيف تصفون الوضع الراهن في العراق في ظل تقدم الجماعات المسلحة باتجاه بغداد؟
من الواضح أن الوضع في العراق اصبح معقد جداً، فهناك فصائل مسلحة مناهضة للمالكي وهناك جماعة «داعش» المتطرفة، وهناك متطوعون لبوا دعوة المرجعية الشيعية للقتال ضد هذه الفصائل، وبالتالي هناك معارك «كر وفر» في عدة مناطق في العراق، ولا يوجد تقدم ملموس باتجاه وقف هذه الجماعات المسلحة، وفي نفس الوقت تضاعفت معاناة المواطن العراقي، حيث يوجد أكثر من مليون مشرد في مناطق القتال، وتوجد مناطق يصعب على الحكومة الوصول إليها، كما أن الوضع الدولي اصبح مقلقا جداً، حيث لا توجد تحركات دولية فعالة في هذا الجانب للوقوف مع العراق لمواجهة الإرهاب من جهة، ولتصحيح مجرى العملية السياسية في العراق التي أدت إلى تغلغل الإرهاب نتيجة لوجود ظلم وتهميش واقصاء لمكون معين، ونتيجة لعدم وجود إدارة حكيمة للبلاد تستطيع أن تدير البلاد بشكل سليم بناء على تشكيل مؤسسات دولة، فمؤسسات الدولة دمرت زمن الاحتلال ولم يعاد بناؤها، فهناك حكم بلا مؤسسات دولة بالمعنى الحقيقي.
? هل باستطاعة مجلس النواب الجديد جمع فئات الشعب العراقي بشكل عادل؟ وما هو تأثير التكتلات على مسيرة المجلس؟
بالتأكيد هناك تكتلات مؤثرة ستتكون داخل المجلس، لكن إلى أين سيذهب البرلمان بالبلد في ظل صعود شخصيات ربما أكثر عدائية مقارنة بالشخصيات السابقة التي كانت موجودة في البرلمان والتي لم تنل رضا الناخب. الانتخابات جرى فيها تدمير كبير واستحوذت الطائفية فيها على مستوى لم يكن متوقعا، وكذلك العشائرية، إضافة إلى الفساد المالي والإداري. والفئة التي أفسدت الانتخابات كانت مدمرة، سواء بشراء الأصوات أو بالتزوير. ولذلك أعتقد أن البرلمان الحالي لن يكون قادرا على القيام بأدواره ومهامه في التشريع والرقابة بالشكل المتوقع.
واتوقع أن تكون هناك تكتلات مؤثرة داخل البرلمان، وفي الغالب أن الكرد والتيار الصدري والسنة ودولة القانون التي يتزعمها المالكي وغيرها ستكون في مقدمة هذه الكتل، وبالتالي لا نتوقع أن ينجز البرلمان ما يتناسب مع معالجة حجم المشكلة الحالية في العراق، ولذلك نحن أمام إشكال حقيقي، واعتقد أن ترك العراق وحده لحل هذه الإشكالات ليس صحيحاً، سواء من قبل الدول العربية أو الأمم المتحدة أو من قبل المجتمع الدولي بشكل عام.
ولابد من القول إن إيران لديها نفوذ كبير في العراق بما فيها البرلمان، ويكاد يكون دورها أقوى من دور الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية والأمم المتحدة مجتمعين.
موقفنا من الولاية الثالثة ثابت
? ما هو موقفكم من ترشح رئيس الوزراء نوري المالكي لولاية ثالثة؟
نحن بيّنا موقفنا الواضح والصريح منذ البداية بأننا ضد الولاية الثالثة لأي شخص من أي مكون، لأننا نعتقد أن دورتين كافية لأي رئيس وزراء بأن يقدم ما لديه، ولذلك سيبقى موقفنا ثابتا ولن يتغير. واعتقد أنه من الصعب بقاء المالكي رئيساً للوزراء، وإن لم يرحل الآن فعلى أقل تقدير في الدورة القادمة، لأن هناك كتل سياسية كبيرة وهامة غير راضية عن أدائه في الفترة الماضية، خصوصاً مع التطرف والظروف الحالية التي تمر بها البلاد.
انفصال الأكراد غير مقبول
? وكيف استقبلتم دعوة بارزاني للاستفتاء على استقلال «كردستان»؟
في الحقيقة استقبلت هذا الأمر باستغراب شديد جداً، خاصة وأنني أكن للسيد مسعود بارزاني احتراما كبيرا، والدول العشائرية لا تتناسب أعرافها وقيمها مع ما بحثه، لأنه عادة صاحب القيم غير متوقع منه أن يستغل الظروف التي تمر بها البلاد ليعلن عن تردده على أراض جديدة أو الانفصال، كما أن الدستور المتفق عليه من قبل جميع الأطراف، حدد بناء هذا الوطن من مكونات معينة وأن يكون العراق اتحادا فيدراليا لا يقبل بالانفصال، والأكراد باختيارهم جاءوا إلى هذا الاتحاد، والفيدرالية هي اتحاد طوعي بين ولايات أو دول أو أقوام تختلف قوميا أو عرقيا أو ديانة أو لغة أو ثقافة حيث يصبح كيانا واحدا او نظاما سياسيا واحدا مع احتفاظ هذه الأجزاء المكونة للكيان المتحد بخصوصيتها وهويتها وتفوض الكيان المركزي بالبعض من الصلاحيات المشتركة مع الاحتفاظ ببعض الصلاحيات لهذه الاجزاء.
والبرلمان الكردي هو من لجأ الى اقرار المطالبة بالفيدرالية بالإجماع بمعنى أنه اختار الفيدرالية كوضع يتناسب مع وضع العراق والمنطقة لأنها تضمن الحقوق التي نصت عليها لائحة حقوق الانسان، وهذه الفيدرالية لا تعني بأي حال من الأحوال التجزئة أو الانفصال، مع العلم إن الكرد كانوا قبل حرب العراق شبه دولة مستقلة وهم اختاروا طواعية خيار الفيدرالية والانضمام إلى العراق الموحد ولذلك، لا يحق للكرد استغلال هذا الاتحاد لفترة معينة لتحلب فيها ثروات الدولة حتى يقوى عودهم، ثم يطالبون لا حقاً بالاستقلال على حساب خيرات العراق.
المملكة لم تتدخل
? ما هو ردكم على ادعاءات رئيس الوزراء نوري المالكي غير الصحيحة عن المملكة بأنها تدعم الإرهاب في العراق؟
المملكة في حقيقة الأمر كانت ومازالت بعيدة جداً عن الشأن العراقي، وبالتالي فإن القاء الاتهامات بأن المملكة متدخلة بما يجري في العراق غير صحيح، وقلت ذلك في أكثر من مناسبة وبشكل رسمي بأنه لا توجد أي علاقة في تدخل المملكة في الشأن العراقي باستثناء دور الملك عبدالله - حفظه الله - في تقديم مساعدات للنازحين في العراق، وهو ما يدحض أي ادعاءات ضدها. ونحن نتوقع من المملكة وباقي الدول العربية أن يكون لها مبادرات وتقارب في العراق لكي لا يكون هناك تأثير من جانب واحد كما يحصل في دول المنطقة، ولكن أنا في قناعتي التامة أن المملكة ليس لها مصلحة في دعم جماعات إرهابية في العراق ولا من مصلحة في إثارة قضية طائفية في العراق، لأن القضية الطائفية اذا توسعت في العراق فسوف تنتقل إلى المنطقة كلها، ولذلك اعتقد أن هذه الادعاءات مبنية على «مزاج شخصي» وأحياناً طائفي.
? ولماذا انتشرت الطائفية وسياسة الاقصاء ضد السنة في العراق؟
«الاقصاء» أسس له منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق، وفي زمن تعيين بول بريمر حاكماً، وضعت الولايات المتحدة معايير وقياسات للتعداد السكاني غير صالحة أدت إلى هذا الوضع الآن، وسنت في عهد بريمر قوانين بحجة تحصين خلع النظام السابق، واستغلت هذه القوانين استغلالا سياسيا بشعا لإقصاء واجتثاث كل البعثيين من المكون السني للبعث، وهذا القرار كان شنيعاً وقائما على روح الانتقام والتشفي ما أفقد الوطن قيادات اقتصادية وثقافية وقانونية وإدارية بمختلف الوزارات والمؤسسات الرسمية من أبناء العراق بوجه عام ومن السنيين العراقيين بوجه خاص، فكان هذا القرار هو البداية لمعاناة السنة وبعض الشيعة الوطنيين، وأعقب ذلك قيام إقصاء وتهميش السنة بالذات في الوزارات والهيئات الحكومية المدنية والعسكرية والأمنية وبالتالي خسارة جزء كبير من الكادر الإداري العامل في العراق اختلت بسببه الموازين بما يعنيه ذلك من اضعاف واسقاط لدور أجهزة الحكومة في جميع المجالات، وكرس هذا الأمر للقضية الطائفية، ولكن مع ذلك كان المكون السني في المحافظات التي كانت توجد بها أكثرية سنية أكثر تمسكاً بوحدة العراق في كل المحافظات الأخرى بالرغم من كل الظلم والجور الذي حصل عليهم، وظلوا متمسكين بوحدة الوطن تحت كل تلك الظروف. وموضوع عدم استقلالية القضاء أثار العديد من المشكلات، لأن نسبة كبيرة من المعتقلين في المحافظات ذات الأكثرية السنية اعتقلوا وحوكموا بناء على تهم باطلة، وتم انتزاع اعترافات منهم بالقوة، وهي اعترافات غير صحيحة، وكثير منهم اعتقلوا لفترات طويلة تصل إلى سنوات دون محاكمة، وبالتالي هذه المواضيع كلها اثارت حصيلة هذا المكون، واصبح ينظر إلى هذه الدولة بأنها لا تراعي مواطنيها بشكل متساو.
قد نتجاوز حد التقسيم
? وهل هناك بوادر فعلية لتقسيم العراق؟
يعتمد هذا الأمر على كيفية تشكيل حكومة مقبلة، ومدى استعداد الإخوة في التحالف الشيعي لإعطاء حقوق الآخرين، هذا بالإضافة إلى الدور الذي من الممكن أن تلعبه الولايات المتحدة والدول العربية والأمم المتحدة في هذا الشأن. وإذا اعطيت الحقوق للمكون السني بالذات، وشعر هذا المكون أن وجوده في الدولة العراقية لا يشكل له خطراً في المستقبل، فبالتأكيد سيكون هناك تمسك بوحدة العراق، ولكن العقلية «العنجهية» الموجودة عند بعض القياديين في التحالف الشيعي والفوقية التي يتعاملون بها إذا لم تتغير فسوف تسبب مشكلة كبيرة جدا، وقد تتجاوز حد التقسيم إلى ما هو أسوأ.
تسليح العراق ليس حلاً
? ماذا تعني صفقة السلاح الروسي لحكومة المالكي؟ ألا تتعارض هذه الصفقة مع علاقة الحكومة العراقية بالولايات المتحدة؟
العراق توجه إلى روسيا لأن الولايات المتحدة لم تلتزم بما أبرمته قبل عامين من صفقات عسكرية مع الحكومة العراقية بقيمة إجمالية وصلت إلى أكثر من عشرة مليارات دولار، بما فيها مقاتلات إف - 16 المعروفة، لكنها لم تنفذ بنودها بعد، والعراق بأمس الحاجة إلى هذه الأسلحة حاليا للتصدي لتمدد الجماعات المسلحة، واصبح من الصعب على العراق بدون تسليح أمريكي أو مساعدة أمريكية مقاومة الإرهاب والجماعات المسلحة في العراق ونقل البلد إلى حالة من الاستقرار، وروسيا من جهتها، لم تبطئ في تسليم هذه الأسلحة انطلاقا من حرصها بحسب تصريحات وزارة خارجيتها على تمكين الجهود الدولية للتصدي للإرهاب الدولي، ولكن أيضاً السلاح الروسي ليس بتلك الفاعلية مقابل الأسلحة المتقدمة المتواجدة في أيدي الجماعات المسلحة، ولكن الاعتماد على السلاح كحل للقضية العراقية ليس كافياً، حيث يجب أن يتوافق هذا التواجه مع حل سياسي فيه نوع من العدل والحكمة في التعامل مع الأوضاع الراهنة، وسعة في الأفق والاستعداد للتعامل والحوار مع كافة الأطراف السياسية.
? الولايات المتحدة تبحث مسألة الإعداد لحكومة وفاق وطني.. هل هذا التوجه يقصد منه إبعاد نوري المالكي؟
الولايات المتحدة توصلت إلى قناعة أن تشكيل حكومة برئاسة نوري المالكي اصبح أمرا شبه مستحيل، خاصة وأنه فشل في التعامل مع الملف الأمني ومع الجانب السني بشكل يستطيع أن يحتويه، وبات واضحاً أن الولايات المتحدة من خلال توجهاتها في الفترة الأخيرة تبحث مسألة تشكيل حكومة جديدة بدون المالكي ولكن مشكلتنا مع الولايات المتحدة نحن العراقيين هي أنها منذ احتلال العراق وحتى الآن لديها تاريخ مكدس بالأدوار والأعمال العشوائية والمتعجلة، وكأنها تعمل بنظام الكمبيوتر في اتخاذ القرارات، وهذا الأمر أحياناً لا يكون بواقعية وهو ما يجر البلاد إلى التهلكة، وهي اليوم مستعجلة للحفاظ على ماء الوجه بتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن حتى وان كان بناء هذه الحكومة ليس بالطريقة المثلى التي يبحث عنها العراقيون، وهي متعجلة بالضغط على بعض الكتل للوصول إلى توافقات معينة حسب منظورها، وتفسر الولايات المتحدة هذا الأمر بأن هناك إرهابا يتوسع وبالتالي يجب أن تشكل الحكومة سريعاً حتى لا يتفتت البلد، ولكن أيضاً واضح أنها تريد للعملية السياسية التي نفذتها تبقى مستمرة بشكل إيجابي. والواقع هو أنها سياسة بنيت على أسس خاطئة، وعمليات الترقيع لن تجدي نفعا كبيرا للعراقيين، ونتيجة لذلك سيكون هناك المزيد من المعاناة للشعب العراقي في المستقبل لعدم واقعية تعامل الأمريكان مع الوضع في العراق، أو أحيانا عدم الجدية، لأن المصلحة الأساسية بالنسبة إليهم هي المحافظة على مصالحهم وسمعتهم في العالم.
دور المملكة في مساندة العراق
? ماذا تريد أن تضيف في ختام هذا الحوار؟
نحن ندعو في هذا الشهر الفضيل بأن يعم الخير والاستقرار والأمن أرجاء الوطن العربي، ونتمنى من المملكة أن يكون لها دور قوي وفعال في مساعدة ومساندة أشقائهم العراقيين في الخروج من هذا الوضع والمأزق، لأنه بات من الصعب على العراق تجاوز هذه الأوضاع لوحده، ولأن الأزمة الحالية توسعت وخضعت لتدخلات إقليمية كبيرة جدا، وبقاء المملكة بعيدا عن الشأن العراقي أمر غير صحيح، ولا يتماشى مع دورها الكبير إقليميا في حفظ واستقرار أمن المنطقة.