-A +A
صالح إبراهيم الطريقي
وبما أن مقال الأمس عن الفن، وأنه يدور حول مأزق الإنسان العربي، ولا يلعب دورا، لكشف وتعرية ما حدث للإنسان العربي، ليساعد على فهم ما حدث، ولماذا علق الإنسان العربي داخل عبثية كل شيء، فأصبح يسخر من كل شيء؟
يمكن تأطير ما يقدم من فن أو السائد والمنتشر والأكثر شهرة داخل أطر عدة، أولها وهو الأكثر انتشارا: العمل الفني القائم على شخصية «البهلول» الذي لا دخل له بالفن، فهو ارتبط في العصور الوسطى بالقصور لإضحاك الطبقة الغنية من خلال حركات تثير الضحك لمجرد الضحك والتسلية، هذا البهلول الذي انتقل فيما بعد من القصور إلى السرك ليلعب نفس الدور، إضحاك المشاهد لمجرد التسلية دون هدف آخر، أو دون اختراق لأزمات الإنسان التي يقدمها الفن عادة من بوابة «الكوميديا السوداء».

أيضا السياسة تدخلت كثيرا في الفن، ولعبت دورا كبيرا في تشويه الفن، إذ استغل الفن في الصراعات السياسية، وأصبح السيناريو يكتب للهجوم على طبقة معينة، أو لاستهداف أيديولوجيا معينة بأنها سبب التخلف أو سبب الانحلال.
كذلك لا يمكن نسيان الأعمال الفنية ذات الطابع الوعظي المباشر والساذج التي تقدم شخصيات مجرمة تلقى حتفها في نهاية العمل، أو شخصيات ملائكية لا تشبه الإنسان ولا مأزقه المعاش، فهو يرى حوله مجرمين كثر لم ينتهوا كما انتهى مجرم المسلسل، ولا هو قادر على أن يكون ملائكيا كبطل المسلسل فيشعر بدونيته.
والأسوأ أو أقبح ما يقدم على أنه فن، تلك الأعمال التي تلبي الاحتياجات الأولية للإنسان «الغرائز» من باب الجملة المخاتلة والمخادعة «الجمهور عاوز كذا»، الجمهور أيضا جائع وفقير، فلماذا لا يقدم له الأكل؟
بقي أن أقول: لا يمكن ترك أحد المشاركين في هذه القضية «عدم لعب الفن دورا مهما في المجتمع»، وأعني المشاهدين الذي مازال بعضهم يعتقدون أن الفن فساد، والبعض الآخر المتابع والمشجع «للبهلول والمؤدلج وبائع الغريزة»، يتحملون دورا أيضا.
فهم يتابعون مثل هكذا أعمال لا دخل لها بالفن الذي محوره الإنسان، لكن مسرحية «الأمل» لممثلي ذوي الاحتياجات الخاصة بجازان التي حصدت المرتبة الأولى في بولندا من أمام أرباب الفن «إيطاليا، فرنسا، ألمانيا»، لو قرروا عرضها هنا لن تجد جمهورا لها؛ لأن المشاهدين قبلوا أن يشكل لهم «البهلول والمؤدلج وبائع الغريزة» ذائقتهم الفنية.