-A +A
علي فقندش (جدة)
كان رحيل الفنان بكر مدني في آخر جمعة من رمضان والتي وافقت السابع والعشرين منه، في غفلة، الأمر الذي صعب على كثير من زملائه وأصدقائه المشاركة في التشييع أو حتى الحضور إلى سرادق العزاء الذي أيضا هو بدوره كان لليلتين فقط «28، 29». حيث اعتاد معظم أهالي جدة أن لا يشمل العيد أيام السواد وتلقي العزاء فقطعت الأسرة العزاء في اليوم الثاني وهو ما صعب أيضا تقديم واجب العزاء في زميل من الوسط الفني كان له حضوره الكبير لا سيما في الأعمال الغنائية الشعبية، حيث أعد الكثير من الألحان من نهر تراثنا الفني الكبير والمتنوع لكثير من الأصوات ولنفسه عندما يغني. كان الراحل بكر مدني هو المغني والمؤدي وهو الملحن الذي يستلهم من التراث وهو الذي يحفظ التراث الغنائي الموسيقي ويتناغم معه، كما كان رحمه الله متعاونا طوال أكثر من ثلاثين عاما أو هي أربعين مع الإذاعة والتلفزيون في برامج الأطفال وقدم الكثير مما هو داعم لطفولتنا محليا في برامج الطفل إذ لحن وكتب وأخرج الكثير من مواد الطفل فيهما.
وكثيرون هم من صادفت مناياهم أحداثا أو ظروفا عتمت على رحيلهم، مثل عميد الأدب العربي طه حسين الذي جاء رحيله في أواخر اكتوبر 1973 الأمر الذي أضاع رحيله في زحمة الأحداث في مصر خلال حرب اكتوبر.

بكر مدني عانى كثيرا من المرض طوال الأشهر الثلاثة الأخيرة من حياته بعد أن بدأ مشوار المرض معه بكسر في ساقه إثر سقوطه في الحمام، ثم أصيب بسرطان مفاجئ خلال فترة علاجه في أواخر شهر شعبان لم يمهله طويلا. رحم الله أبا ياسمين (له من الأبناء فقط ياسمين ونرجس)، وهو من الأسماء الفنية الفاعلة في التراث الموسيقي وقدم ألحانا غنائية لكثير من الفنانين العرب كان آخرها لمطربة من الجزائر، للشاعر والإعلامي الراحل الشريف فيصل البركاتي الذي رافقه في رحلة عمل إلى الجزائر قدما خلالها أعمالا فنية سعودية لفنانات من الجزائر وللفنان الشعبي الجزائري المعروف الصادق جمعاوي الذي تعرف عليه الراحل بكر مدني في أمسية في بيت طلال مداح رحمه الله برفقة «عكاظ» عندما حل ضيفا على المملكة من قبل مهرجان الجنادرية نحو 18 عاما. عرف عن الراحل بكر مدني رحمه الله اجتهاده في إعداد برامج الأطفال في الإذاعة والتلفزيون ولحن الكثير من أغنيات الطفل في هذه البرامج، وكان صاحب السبق في تقديم إحدى بنات الراحل الفنان الكبير طلال مداح (إخلاص) كمؤدية في برامج الأطفال، كما أنه استثمر زيارات الكثير من الفنانين العرب إلى المملكة لمشاركتهم في برامج الطفل في التلفزيون السعودي، وكان من بينهم الفنان الكبير محمد ثروت من مصر الذي حل ضيفا على برامجه للأطفال قبل نحو 30 عاما عندما جاء عريسا هو وعروسه لأداء أول عمرة بعد الزواج، يومها شارك ثروت مع أطفال برامجه في التلفزيون بأغنياته الشهيرة للطفل، رشا، منى، طيور النورس.
كان دائما ما يستأنس فنيا بآراء أستاذه الفنان الكبير جميل محمود الذي كان يحضر بين فترة وأخرى أحديته الشهيرة في مكة المكرمة منذ المشاركات الأولى له في البرنامج الغنائي «وتر وسمر» الذي كان فرصة لبكر مدني لتعريف الناس بموهبته. كما كان على صلة بالفنانين الكبار غازي علي والراحل محمد العماري الذي ارتبط بفن الطفل أيضا. وكان بكر مدني جليس صوالين الوجهاء كثيرا، إذ كثيرا ما يكون حاضرا في صالون الشاعر الدكتور محمد بن عبود العمودي، وصالون جميل محمود الفني وأسبوعية عبدالصمد ساعاتي الموسيقية وغير ذلك، وكثيرا ما كان ينفذ أعماله الموسيقية في ستوديو زميله الفنان حسن اسكندراني بجدة.