-A +A
مشعل السديري
عمليات التهريب عبر الحدود، لها فرسانها ومبدعوها الذين يتفننون بوسائل قد لا تخطر على البال، وقد عانت أمريكا (الأمرين) من المهربين عبر حدودها مع المكسيك، وما زالت تعاني رغم استخدامها لكل ما تفتقت به عبقرياتها (التكنولوجية).
كما أن العالم الثالث لهم أيضا طرقهم، فمثلا: الاتجار بالأفيون والهيرويين بين أفغانستان وباكستان وإيران يتم بواسطة الجمال المخدرة المدربة، حيث يتبع فيه الجمل طريقا معينا بدون ما أحد يسوقه، ويحصل الجمل في النهاية على كميته المخدر بهذه الوسيلة، التي يستطيع تجار المخدرات أن يقوموا بتجارتهم غير المشروعة بأقل ما يمكن من المخاطر.

وقد ذكر لي أحد رجال الحرس بالحدود الجنوبية طريقة مشابهة لهذه الطريقة، فرغم أن حكومة المملكة، وحكومة اليمن الشقيق تحاربان التهريب بكل قدراتهما المتاحة، إلا أن هناك طرقا من الصعب السيطرة عليها، خصوصا أن الحدود بينهما طويلة وفي غاية الوعورة.
وعلمت منه أن المهربين (للقات) ولغيره من الممنوعات لهم طريقة جهنمية بالتهريب، وأبطالها هم (الحمير) ــ نعم الحمير ما غيرها ــ وكيف يتم ذلك؟!
وقبل أن يحكي لي ذلك الجندي عن الطريقة، سألني سؤلا تعليميا قائلا: ألا تعلم أن الحمير هي أذكى مخلوقات الله على الأرض؟!
الحقيقة أنني فوجئت بسؤاله الاعتباطى هذا، إلى درجة أنني فكرت أن أنهي كلامي معه، واعتقدت أنه إما يستخف بعقلي، أو أنه (يتسوطر) علي، أو أن في عقله هو خللا ما.
ولكنني، بعد صمت قليل، (استخرت) وقررت أن أمشي معه للآخر، فأجبته: لا، إنني لا أعلم فزدني علما مما أعطاك الله، نورني الله يرضى عليك.
فقال: إن المهرب يضع على ظهر الحمار كل حمولته من (القات)، ويتركه يعبر الجبال والوديان وحيدا، والحمار الذكي الخبيث يعرف كيف يموه ويتخفى، وإذا شاهد على البعد رجال الحرس يربض في مكانه خلف صخرة أو شجرة، ولا يقف ويتحرك إلا بعد أن يتأكد أن الحراس قد ذهبوا، وهو لا يذكر ــ أي الجندي ــ أن حمارا واحدا قد نهق في مسيرته تلك، ولو أن الحراس قد اكتشفوه صدفة، ونادرا ما يكتشفونه، فهو يولي الأدبار (مبرطعا) ويرجع لصاحبه سريعا، والغريب أنه يعرف الحد الفاصل جيدا، لأنه ما إن يطمئن أنه قد قطع الحد وأننا من الصعب أن نصل إليه، حتى يلتفت الملعون نحونا ويبدأ بالنهيق، وكأنه بذلك يتحدانا ويوجه لنا الشتائم، مما يزيد بقهرنا.
ويمضي الجندي قائلا: الحقيقة أننا بدأنا نعاني من هذه الطريقة، خصوصا بعد أن دخلت (التلفونات الجوالة) بين المهربين في المملكة واليمن، فكل واحد منهما يرصد الحركة للآخر والحمار بينهما يقوم بالمهمة.
عندها لم أملك إلا أن استسلم قائلا له: صدقت، إن الحمار هو أذكى مخلوقات الله، وبعده نأتي بالذكاء، أنت أولا وأنا بعدك.