-A +A
علي حسن التواتي
التقطت عدسة أحد المراسلين في غزة أربع صور نادرة لطفلة فلسطينية نحيلة يبدو أنها لم تتخط ربيعها العاشر وهي تبحث في الصورة الأولى عن شيء بين أنقاض بيتها المدمر تدميرا كاملا، وفي الصورة الثانية بدا أنها وجدت ضالتها وقد كانت كتبا ودفاتر، وأظهرت الصورة الثالثة الطفلة وقد انتصبت قامتها حاملة على مرفقها مجموعة الكتب التي كانت تبحث عنها أما الصورة الرابعة فقد بدت فيها وهي تهم بمغادرة المكان ومسحة ابتسامة انتصار خفيفة قد علت وجهها لاستنقاذ كنزها الثمين من تحت الأنقاض.
ولئن هزم الغزاة ودحروا عبر التاريخ بقوة الرجال وبسنة الله الكونية بدفع الناس بعضهم ببعض « ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهدمت صوامِع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز » (الحج: 40)، إلا أن الجيش الإسرائيلي هو الأول في التاريخ الذي يتعرض للهزيمة على يد أطفال. فأي أطفال أنتم يا أطفال فلسطين (يا من تزلزلون كيان العدو عندما تهزون حجرا، وتهزون العالم عندما ترفعون كتابا).

ولذلك لا تصدقوا إسرائيل حين تعلن أنها بقصفها لغزة وتدمير بيوتها ومدارسها وجوامعها إنما هي تحارب حماس، فلو لم توجد حماس لأوجدت ألف حماس لتبرر للعالم مذابحها في غزة. وصدقوا أو لا تصدقوا أن عدوها الأول في غزة هم الأطفال لأنهم الأمل والاستمرار والقوة الناعمة المستقبلية التي تلين وتتشكل في مواجهة الجيوش وتلتف عليها بالعلم والمعرفة وتهزمها شر هزيمة. فبحسب بيانات الأمم المتحدة فإن الأطفال الغزيين الذين استشهدوا بالغارات الإسرائيلية حتى الثامن من أغسطس وصلوا إلى 448 شكلوا حوالى 32% من اجمالي الشهداء المدنيين البالغ (1407) ومن الأطفال الشهداء (277) أنثى بنسبة (62%) من إجمالي الأطفال الشهداء. وهذه النسبة تظهر بجلاء أن قتل الأطفال وخاصة منهم الإناث هدف رئيس من أهداف الهجوم على غزة وأن الغارات لتحقيق هذا الهدف كانت انتقائية ومركزة بدليل مهاجمة المدارس العامة ومدارس الأنروا والجوامع التي تؤوي ما لا يقل عن 500 ألف محتمٍ من الغارات في المتوسط جلهم من النساء والأطفال.
ولا تقل خطورة الأمهات الفلسطينيات على وجود إسرائيل عن أطفالهن خاصة أن بينهم وبين إسرائيل ثأرا قديما لا يقل عن ثأر الرجال. أولئك الأمهات اللاتي يطلقن زغاريد النصر ويتلقين التهاني ويوزعن الحلوى عند استشهاد فلذات أكبادهن ويوارينهم القبور وكأنما هن يزففنهم لأعراسهم.
ولكن الثأر من المرأة الفلسطينية ليس لهذه الطقوس التي لا تجرؤ عليها أمرأه ثكلى أخرى في العالم فحسب ولكن لأسباب أعمق من هذا بكثير منها أن المرأة الفلسطينية خاصة في غزة وبحسب دراسات سارا راندال نرويجية أقل النساء مشاركة في قوة العمل ولا تتعدى مشاركتها نسبة 14,7% من إجمالي عدد النساء مقارنة بنسب عالية تتراوح فيما بين 70% إلى 80% في الدول الاسكندنافية، وحتى في دول شرق أوسطية أخرى كالأردن. ومع الأخذ في الاعتبار أن معدل الإخصاب انخفض من 8,3 طفل للمرأة الواحدة سنة 1991 إلى 4,4 للمرأة الواحدة حاليا إلا أنه معدل عالٍ بالنسبة للدول الأوروبية ولإسرائيل التي لا يتعدى هذا المعدل فيها 3 أطفال للمرأة الواحدة. والأغرب بالنسبة للعقلية الأوروبية أن هذا مخالف لقاعدتهم السكانية الذهبية (تعليم أعلى أطفال أقل) فقد أظهرت دراسة سنة 2006 أن كافة نساء غزة تلقين تعليما لا يقل عن تسع سنوات كحد أدنى وأن نسبة وفاة أطفالهن لا تزيد على 25 طفلا لكل ألف. وبالنسبة والتناسب فقد عجل القصف الإسرائيلي برفع هذه النسبة 18 عشر مرة.
وليس هذا فحسب، فقد أظهرت دراسة راندال على عينة من 16,204 سيدة غزاوية الانتفاضات الفلسطينية كانت عامل دفع رئيس في تعجيل الزواج وارتفاع معدلات الخصوبة، فقد ارتفعت فرص زواج المرأة 1,4 مرات خلال سنوات الانتفاضة 1989ــ 1990 عنها في 1980 وقد كان المعدل بالنسبة للنساء المتعلمات أعلى خلال سنوات الانتفاضة فقد تضاعف عن سنة 1980. ولقد كانت نسبة النساء اللاتي قبلن بالزواج من رجال يقلون عنهن تعليما عالية جدا.
وإذا ما عرفنا أن الجيش الإسرائيلي الذي قتل الناس دون تمييز بغزة، كان يعلم أنه كان فيها وقت الهجوم 46 ألف امرأة حامل، وعمل على ترحيل 10 آلاف منهن من منازلهن، نعرف أن أهم موجودات بنك أهداف العدوان كانت قتل الأطفال والنساء وأن مثل هذا القول ليس زعما بغرض الاستعطاف ولكنه حقيقة مؤكدة بالأرقام ولا يرقى إليها الشك.