إذا رأيت أمامك موظفا أو مسؤولا إداريا، يلاطف طفلا أو يداعب بكلماته موظفا صغيرا أو حارسا خفيرا وقد اتسعت ابتسامته وتناهى عطفه ولطفه، فلا تبن على ما شاهدته صورة ذهنية ثابتة خلاصتها أن ذلك الموظف أو المسؤول لين الجانب لطيف المعشر حسن الأخلاق حليم متواضع.. «حَبُّوب!»، لأن أي إنسان حتى لو كان في حجم الديكتاتور «هتلر» لا يظهر للناس خلقه الحقيقي في حالة رضاه وشعوره بالعزة وأنه مطاع مهاب، وإنما يظهر على حقيقته عندما يغضب ويحزَن، فإن كان عطوفا حليما ذا خلق حسن حقا فإن غضبه لا يجعله يخرج عن طوره ويفتك بمن يقف أمامه، بل تجده قد ضبط نفسه وتعامل مع الموقف بما يقتضيه من حسن تصرف حتى لو كان الموقف يحتاج إصدار عقوبة نظامية قانونية ضد من تصرف تصرفا غير لائق في حق ذلك المسؤول أو في حق المصلحة والنظام، بل إن المسؤول الحليم الخلوق سيكون أكبر لو تجاوز عن تصرف صادر ضده من باب العفو عند المقدرة مع عدم التساهل في أي تجاوز يمس المصلحة العامة، أما هذه القشور التي يراها الإنسان أمامه من إظهار للوداعة والحلم ولين الجانب والتواضع وحسن الخلق في حالات الرضى، ثم قيام الساذجين من الناس بجعلها أحاديث متداولة في مجالسهم بانين عليها صورا وحكايات عن تواضع «فلان» وحُسن خلق «علان»، حتى ليظن من يسمع ذلك الثناء عنهم أنهم بلغوا من حسن الخلق درجة الإحسان فإنه تسرع وسذاجة وحكم على المظاهر دون المخابر، والمؤمن كيس فطن من الفطنة وهي عدم الانخداع بالمظاهر والبناء عليها في مدح إنسان ما والثناء عليه ووصفه بالرأفة والرحمة لأن واقعه قد يؤكد أنه غليظ القلب ظالم لنفسه مبين وقد قال الشاعر من قبل:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظّنن أن الليث يبتسم !
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظّنن أن الليث يبتسم !