-A +A
حسن النعمي
هنأ معالي أمين محافظة جدة، من خلال تويتر، سكان المحافظة بخبر انضمام جدة القديمة إلى قائمة التراث العالمي، وخبر مثل هذا يستحق أن نفرح به وأن نستشعر أهميته، فخبر مثل هذا طال انتظاره، وخبر مثل هذا يعني أن ما تبقى من جدة القديمة أصبح تحت نظر العالم، بل منظمة اليونيسكو بالتحديد، وعليه ستحظى برعاية عالمية تستحقها. باركت لمعالي الأمين مثلما بارك له الكثير من محبي مدينة جدة. وأذكر أنني قرنت تهنئتي بملاحظة أحسبها جوهرية، وذكرت أن فرحتنا بالاهتمام بماضي جدة لا يجب أن ينسينا حاضرها، وتوقعت من معالي الأمين وهو المنتشي بهذا الفوز المستحق، أن يبادر في طمأنة المتسائلين عن حاضر جدة، وقد لا يكلفه ذلك أكثر من بضعة حروف في تغريدة عابرة، لكنه فضل الصمت، ولعل الصمت استراتيجية تتنافى مع وسائل التواصل الحديثة، فما دام أن معاليه قرر أن يتخذ من تويتر منبرا للتواصل مع سكان جدة، فعليه أن يتجاوب مع كل تساؤل أو ملاحظة أو اقتراح، لا أن يتوارى خلف صمت غير محبب.
اختيار المسؤول، أي مسؤول، للتواصل عبر وسائل التواصل الحديثة يعني قبوله علنا التواصل عبر منظومة مختلفة، ليس فيها حاجب أو سكرتير أو خط مشغول يمنع الناس من الوصول إليه. أما اللجوء للصمت فليس من أدبيات وسائل التواصل الحديثة. إذا أراد المسؤول أن يكون وفيا للمحافظة الإدارية من حيث تمسكه بتقنين تواصله مع الجمهور، فعليه أن لا يدخل عالم الشبكة الحديثة، ويبقى خارجها. أما إذا قدم نفسه عبر هذه الوسائل، فعليه أن يخضع لشروط التواصل، ويبدي مرونة مختلفة عما هو سائد في أنظمة المكاتب التي دونها أبواب متراصة لا يلج المواطن من باب إلا وقد وجد أمامه بابا آخر يسد طريقه، وهكذا حتى ينتهي به الحال إلى فراغ موحش، حيث لا مسؤول ولا حاشية.

لم ابتئس بعدم تواصل معالي أمين جدة مع تغريدتي، فإذا كان هناك من أحد يجب أن يبتأس فهو معاليه؛ لأنه خرق عرف التواصل عبر تويتر حيث لا طبقية، ولا سلطة، ولا صمت. ما يقلقني هو عدم إفادتي عن واقع وحاضر جدة، فإذا كان معاليه يزف هذه البشرى عن جزء صغير من جدة، فما أحوجنا أن نسمع منه أجوبة شافية عن جدة ونظافتها، عن جدة وشوارعها، عن جدة وحدائقها، عن جدة وعشوائياتها، وعن جدة وشخصيتها التي بدت تتوارى.
جدة تعاني من سوء النظافة رغم وجود شركات نظافة بعقود مالية ضخمة. نظافة جدة ليست فقط في جمع النفايات في الحاويات ورميها، بل الانتشار في الأحياء والتقاط المخلفات بشكل مستمر، واستصدار تنظيمات تلزم السكان بالنظافة أمام منازلهم، واستصدار تنظيمات تعاقب من يرمي مخلفات أثناء سير المركبات، ومن نافلة القول فإن شخصية المدينة في جمال ونظافة شوارعها وأحيائها. فأين جدة من كل ذلك!
شوارع جدة تعاني من سوء السفلتة، حفرها تتلف المركبات، وأرصفتها تعاني من الإهمال. الملاحظة التي يرصدها سكان المدينة أن الأمانة تباشر سفلتة شوارع ليست بحاجة للسفلته، بينما هناك شوارع أحق بها، لا أدري من يقرر هذه الأولويات. هناك أحيانا حملة على بعض الأرصفة التي لا عيب فيها، ولا يفهم المواطن لماذا يتم جرفها ورصفها مرة أخرى مع أن غيرها أولى بالعناية.
الملاحظة الأبلغ هي التمايز في الخدمات بين ما يقدم لشمال جدة على حساب جنوبها وشرقها، مع أن الأمانة تقع في جنوب المدينة! السؤال أليست الخدمات منظومة متكاملة؟ (سبق أن كتبت مقالا بعنوان .. انقطاع الحوار بين شمال جدة وجنوبها، في 20 مايو 2013) ولم يكن هناك تجاوب كما هو معتاد. طالبت في هذه المقالة بالتوازن في توزيع الخدمات إذا كنا نرى المدينة بنية واحدة. فليس من مصلحة المدينة أن يجتمع الاهتمام والإهمال في سياق واحد. ومدينة بهذه الحال مثل الوجه الذي يعاني من حروق في جانب، ونضارة في جانب آخر، للأسف الجانب المحروق هو الذي يخطف البصر ويورث النفور في القلوب والعيون.
وقد سنت الأمانة سنة محمودة، إذ خصصت رقما للشكاوى (940)، لكنه للأسف غير فاعل، مجرد زخرفة إعلامية، إذ لا يتم التعامل مع البلاغات بسرعة واحترافية وتقدير لمن يتقدم بالشكوى، بل تهمل الشكاوى أو تتأخر الاستجابة كثيرا حتى ييأس من قدم البلاغ، وحينها يردد المرء: يا ليل ما أطولك!
معالي الأمين، أثق أنك لست بحاجة للمدح، بل بحاجة إلى صدق القول، ومهما تبذل من جهود، فالمدينة مثقلة بالمشكلات، وتحتاج إلى استراتيجية إنسانية تقف على مسافة واحدة من كل الأحياء، من كل السكان. تحتاج جدة إلى فروع بلدية فاعلة تملك صلاحيات حقيقية تكون عين الأمانة على الأحياء. كما ينبغي تحديد الأولويات وتنفذها بتوازن دقيق. مدينة جدة مدينة حضارية شاخت، فهل الأمانة قادرة على تجديد روحها وشبابها. إذا أرادت الأمانة أن تتحدث إعلاميا، فعلى الأقل يجب أن يسبق فعلها كل قول وخطاب.