-A +A
صالح إبراهيم الطريقي
أن يزف الجيش الإسرائيلي خبر نجاح غاراته باغتيال ثلاثة من كبار قادة «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري «لحماس» إلى الشعب الإسرائيلي ليشاركهم الفرح، أمر مفهوم عقلانيا، ففي الحروب تفرح الشعوب كلما قتل أعداؤها بالمعركة دون أن تكترث بما هو أخلاقي وما هو جريمة حرب.
ولكن أن يتطابق بيان «كتائب القسام» مع بيان العدو، إذ قال بيان «الكتائب»: «نزف إلى شعبنا وأمتنا شهداءها القادة الثلاثة»، أمر لا يمكن للعقلانية أن تتقبله.

لأنه لا يمكن لحدث ما يثير فرح عدوك، فيزف البشرى لشعبه ليفرح، أن يثير فرحك أيضا، فتزفه لشعبك؟
حتى وإن استخدمت مصطلح «الحرب خدعة»، فالعقلانية تحتمل أن تزيف حقيقية اغتيال القادة العسكريين فتنفيها، لكنها لا تحتمل تزييف مشاعرك بأن موت قادتك يستحق أن تزفه بشرى لشعبك.
ففي مشهد آخر ومشابه وهو قتل الصحفي الأمريكي من قبل «داعش»، كانت ردود الفعل متسقة مع العقلانية، «داعش» تزف البشرى لأتباعها بأنها انتقمت من قصف الطائرات الأمريكية، وتهدد أمريكا بمزيد من «جز الرقاب» إن لم توقف غاراتها، وخطاب حزين وغاضب من «أوباما» يؤكد على صحة الفيديو ويعزي الشعب، ولم يزف لهم مقتل مواطن أمريكي.
قد يتساءل القارئ: لماذا الحديث عن العقلانية؟
لأنه في الصراعات الطرف الأضعف الذي عادة ما يكون صاحب قضية عادلة، يحتاج للعقلانية أكثر من الطرف الأقوى الظالم، فهو -أي الأضعف- لا يحتمل الخسائر كثيرا حتى لا تموت قضيته كما حدث للهنود الحمر، ويحتاج دائما حساب كل الأمور بعقلانية، وأنه لا يستطيع القفز من عدم حصوله على شيء إلى الحصول على كل شيء بخطوة واحدة، وأن هناك أمورا يمكن تحقيقها الآن وأخرى يمكن تأجيلها.
عليه أيضا ألا يكرر نفس الخطأ، وهذه تحديدا للأسف القادة الفلسطينيون ما زالوا يكررونها منذ عام 1970م إلى الآن فتتضاعف خسائرهم.
وأعني هنا تدخل القادة الفلسطينيين بالشؤون الداخلية للدول العربية مع أنهم طرف غير مؤثر ويستغل دعائيا بسبب قضيته، فتدخلوا بالأردن، مرورا بالشأن الداخلي اللبناني، فتأييد احتلال الكويت ومعاداة دول الخليج الداعم الأكبر ماديا، وأخيرا بالشأن الداخلي المصري.
وكان يمكن لهذا الخطأ ألا يتكرر لولا غياب العقلانية، التي يحتاجها الأضعف في صراعه دائما حتى لا ينتحر.