-A +A
علي حسن التواتي
نشرت كل من جريدتي «عكاظ» و«الوطن» خبرين محليين يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، خبر «عكاظ» يقول انه تم الاتفاق بين تسع جهات حكومية على إستراتيجية من ثلاثة محاور لمواجهة «أنفلونزا الطيور» بعد اكتشاف حالات إصابة بهذا المرض في إحدى الاستراحات بالجعيمة مؤخرا في اجتماع طارئ عقد بالدمام (الثلاثاء) بحث رفع درجة الاستعداد لدى جميع الجهات ذات العلاقة وتحديد أسماء المسؤولين الذين يتم الاتصال بهم من قبل الزراعة عند الحاجة على مدار الساعة. وأما خبر «الوطن» فيتحدث عن قيام الهيئة العامة للغذاء والدواء حاليا (بالإعداد لتنفيذ مشروع بناء قاعدة بيانات شاملة عن مصانع ومعامل ومستودعات الأغذية في السعودية) وذلك في إطار اهتمام الهيئة بسلامة الغذاء. ويضيف الخبر أن المشروع في (مراحله الأولى) حيث تم تكليف (مكتب وطني استشاري) بتنفيذه من خلال فريق عمل يقوم بدراسة الوضع الحالي وبشكل عام للمصانع والمعامل والمستودعات التي تعمل في مجال الغذاء من حيث أماكن تواجدها والوقوف على العدد الحقيقي للمصانع القائمة التي تعمل على إنتاج الأغذية وكذلك مناطق توزيعها وإنتاجها بالإضافة لنوعية العمالة وعددها. وطلبت الهيئة (تعاون) كل من وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة التجارة والصناعة لإتمام المشروع. تذكرت حينما قرأت الخبر الأول وباء حمى الوادي المتصدع الذي حلّ بمنطقة جازان منذ عدّة سنوات وحالة الذعر والفوضى التي اجتاحتنا ونحن نواجه ما أسميناه حينها بـ(المرض الغامض) وبعد انتدابات وخبراء ومعامل أوروبية وغير أوروبية تكرّمت علينا وزارة الصحة حينها - بإعادة اختراع العجلة – بإعلانها أن المرض اسمه (حمى الوادي المتصدع) وأن خبرات سعودية تمكنت من اكتشافه وأن تلك الخبرات تستحق أرفع الأوسمة على إنجازها العظيم. ولكن المضحك المبكي في الموضوع أن المرض كان معروفاً منذ خمسين عاماً على الأقل ولم يأت من أوروبا أو من أمريكا الجنوبية بل كان يعشش بجوارنا في القرن الأفريقي وليس بيننا وبينه إلا عبور البحر الأحمر الذي هو في حد ذاته نتيجة لذلك الصدع الذي فصل آسيا عن أفريقيا، ثم إن المرض ضرب اليمن قبل أن يصل إلينا ونحن نعلم أن هناك تبادلاً يوميا للمواشي الحيّة بيننا وبين اليمن والقرن الأفريقي في تلك المنطقة، ورغم ذلك كنّا نغط في سبات عميق وكأنما الأمر لا يعنينا من قريب أو بعيد. وتحل في ديارنا اليوم أنفلونزا الطيور لنفاجأ بتسع جهات حكومية تتفق في يوم واحد على (استراتيجية ذات محاور) وتتحدث عن آليات وأسماء، وليتها فعلت ذلك بمبادرة منها. إن الاستراتيجيات ذات المحاور لا تعد في يوم واحد بل تعدّ بتأن وبالاستناد إلى بيانات ودراسات متكاملة وبخبرات مؤهلة وتفكير عميق، كما أنها لا تعد تحت ضغط الكوارث أثناء وقوعها وأي تحرك سريع أو طارئ لمواجهة أية مشكلة أثناء وقوعها لا يتعدى دائرة ردود الأفعال غير المدروسة التي تعارف الناس على تسميتها بسياسات إطفاء الحرائق.
وللمقارنة فقط، يلاحظ المسافر إلى بعض الدول الآسيوية أن أي واصل لمطاراتها لا بد من أن يمر بحذائه عبر حوض مملوء بسائل مطهر تعلوه لوحة كتب عليها ناسف للإزعاج ولكن هذا الإجراء ضروري للوقاية من أنفلونزا الطيور. وبالطبع أول ما يتبادر للذهن عندما ترى ذلك هو أن تجزم بأن لدى تلك الدولة (استراتيجية) واضحة المعالم لمكافحة الوباء من المطار إلى مائدة الطعام فتشعر بالأمان وسلامة الغذاء، وبالفعل فإن الدول التي تطبق هذا الإجراء لم تظهر بها حتى الآن أية حالة لأنفلونزا الطيور مما يدل على أن هناك فعلاً استراتيجيات للوقاية، فهل رأينا مثل ذلك في مطاراتنا وهل وصل إلينا أحد من أية جهة، خاصة في الأرياف والبوادي والمزارع والمطاعم والمدارس والمساجد ليوعّينا ويتأكد من سلامة تعاملنا مع الدواجن والطيور المهاجرة التي نطاردها في البراري ونأكلها أو نأخذها إلى منازلنا دون رقيب أو حسيب.

أما الخبر الثاني فأمره أكثر عجباً من الأول فالهيئة العامة للغذاء والدواء التي أنشئت بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (1) وتاريخ 7/1/1423هـ كهيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية لغرض أساسي هو القيام بتنظيم ومراقبة والإشراف على الغذاء والدواء والأجهزة الطبية والتشخيصية ووضع المواصفات القياسية الإلزامية لها سواء كانت مستوردة أو مصنعة محلياً، ومراقبة الأغذية والأدوية وفحصها وتوعية المستهلك بكل ما يتعلق بالغذاء والدواء والأجهزة الطبية وكافة المنتجات والمستحضرات المتعلقة بها. هذه الهيئة وبعد أربع سنوات من إنشائها ليس لديها حتى الآن قواعد بيانات بالمحلات والمستودعات وشبكات التوزيع التي تتعامل مع الغذاء والدواء ناهيك عن معامل الظلام والسوق السوداء، كما أنها ليس لديها حتى الهياكل الإدارية اللازمة لبناء مثل هذه القواعد بدليل تكليف مكتب وطني استشاري للقيام بهذه المهمة نيابة عنها. إذن متى نرى مفتشي الهيئة وهم يداهمون المطاعم والمصانع والمستشفيات دون استئذان من أحد للتأكد ميدانياً من سلامة الإعداد والتناول لغذائنا ودوائنا. إن هيئات الغذاء والدواء في العالم أجمع لا تكتفي بالبحوث والدراسات والمواصفات بل تذهب للميدان حسب خطة واضحة المعالم ولا تنسق مع أحد في حملاتها التفتيشية بل تقوم بها بشكل مفاجئ وتتلقى البلاغات عبر خط ساخن على مدار الساعة ويتحرك مفتشوها بصمت ومهنية عالية وينفذون قرارات تشميع المحلات المخالفة وإغلاقها فوراً دون التنسيق مع أية جهة حكومية أخرى لأن سلطاتها في هذا المجال تعلو فوق أية سلطات أخرى مماثلة، وهذا ما نريد أن نرى هيئتنا العزيزة عليه..
altawati@yahoo.com