-A +A
محمد العصيمي
لا أخفيكم أنني حين أنشئت وزارة الإسكان وسخرت لها هذه المليارات تفاءلت أكثر من اللازم بأن سوق العقار الملتهب سينطفئ، وستعود الأمور إلى معقوليتها ونصابها الصحيح. لكن تفاؤلي الزائد عن الحد ارتد علي إلى درجة أنني احترت كيف أفهم هذه السوق، وكيف بإمكان كل مواطن يحتاج إلى سكن أن يحصل عليه بسعر معقول؟!
مؤخرا كنت في لندن، وما أدراك ما لندن، وتفحصت أسعار العقار القريبة والبعيدة منها، فوجدت أن لكل عقار ميزانا دقيقا جدا. وضمن هذا الميزان، تجد عقارا بمساحة 150 مترا بعشرة ملايين ريال، وعقارا آخر بمساحة 300 متر بمليون أو مليون ونصف ريال. أي أن الموقع وكثرة قدم (البزنس) أو السكن هي التي تحدد سعر السكن اللندني.

وبمقدورك ــ بالمناسبة ــ أن تشتري عقارا قديما يبعد ساعة بالسيارة عن (ماربل آرش) بمليون أو مليون ونصف المليون ريال، تحيط به طبعا طبيعة ساحرة وخدمات متكاملة وشبكة طرق مؤهلة وسهلة. في المقابل، لن تستطيع شراء هذا العقار بنفس السعر في حي (الثقبة) في الخبر أو حي (الملز) في الرياض. ناهيك عن أسعار الأراضي السعودية التي تبدأ، على الطرق وفي الصحاري، من 1000 ريال إلى 3000 ريال للمتر الواحد. وقد تصل أسعار بعض الأراضي إلى أكثر من ذلك من دون أن يكون لها أية ميزة سوى أنها محتكرة وملعوب بها من حفنة عقاريين.
والآن، إذا عدنا إلى حالة تفاؤلي القديمة وفحصنا أمور ومستجدات العقار، فسنجد أننا (مكاننا نراوح)، فلا مشاريع الإسكان أثرت في أسعار الصحاري والأطراف فضلا عن مراكز المدن، ولا الناس قادرة على الشراء والعيش بأمان تحت أسقف مملوكة في بلد أكثر ما فيه مساحات الأراضي. ولذلك يبقى الناس، وأنا منهم، يقلبون هذه الجمرة العقارية بين أيديهم ويتقاذفونها لعل الله يصيبها بمشيئته ورحمته فتخمد ليرتاحوا ويطمئنوا إلى حالهم ومستقبل أسرهم.