تتحرك واشنطن لبناء تحالف إقليمي ودولي لمواجهة خطر داعش وما يمثله من تصاعد لموجات الإرهاب.. ومن شبه المؤكد أن غالبية دول المنطقة، إن لم تكن كلها، تشعر بخطر داعش ولديها الاستعداد للدخول في أي ترتيبات توقف هذا الخطر، رغم اختلاف الوجهات والأهداف والبواعث، لكن هناك سؤالا مغلفا باللوم يطرحه البعض: هل سياسة واشنطن تجاه مشكلات المنطقة قادرة على بناء تحالف يصمد أمام تحدي الإرهاب وما يصاحبه من مضاعفات ضارة، بعد أن أدى تهاونها أو رؤيتها للأحداث إلى الواقع المعاش؟ وبصيغة أخرى أكثر وضوحا، هل الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية ودعمها اللا محدود لإسرائيل وسكوتها عن طمس الهوية وإجبار الفلسطينيين على الرضوخ لقسوة الواقع والقبول بما تمليه آلة القتل الإسرائيلية، هل هذا يساعد على خلق روح تتفاعل مع فكرة التحالف؟ وهل ما يحدث في سوريا وتراخي الدول الغربية، إن لم نقل تغافلها، عن الوقوف في وجه الظلم الذي يتعرض له الشعب السوري، يساعد على تكوين تحالف يحارب نوعا من الإرهاب ويغض الطرف عن آخر لا يقل ظلما وشراسة؟ وهل السياسة التي أدت إلى القضاء على الدولة العراقية وتفكيك مؤسساتها وتسليمها إلى طائفية إقصائية، قادرة على تشكيل تحالف يحارب بعض منتجات تلك السياسة؟ كيف يمكن أن تعيد واشنطن الحيوية والثقة لفاعلية تحالفاتها القديمة في المنطقة بعد دخولها في «تفاهمات» مع جهة مناوئة لهؤلاء الحلفاء؟.. أسئلة لابد من طرحها على الوزير كيري الذي سيزور المنطقة بعد أيام من أجل تكوين تحالف دولي لمحاربة داعش.. معروف أن السياسة لا تسير في خطوط مستقيمة وأن المواقف «التكتيكية» تتبدل بحسب المعطيات والظروف، وأن المرونة العملية تقتضي تفهم ذلك والتعامل معه، ولهذا فإن الهدف ليس العودة إلى الوراء وتوجيه النقد أو اللوم إلى سياسات خاطئة بات يعرفها الجميع. نقد الماضي غير مفيد إلا بقدر ما يصحح الأخطاء ويساعد على التعامل مع الواقع واستشراف المستقبل، ومن هنا يصبح الهدف هو الإشارة إلى أن سياسة الدول الكبرى في المنطقة تحتاج إلى إعادة النظر حتى تتمكن من محاربة الإرهاب الذي هو موضع اتفاق الجميع، لكن محاربته تحتاج إلى خلق أجواء تضمن لها الاستمرار والحيوية والصلابة اللازمة لمواجهة الخطر الذي يتخلق في رحم المشاكل والمظالم. وإذا أرادت الدبلوماسية الأمريكية أن تشكل تحالفا دوليا قابلا للحياة والصمود فعليها إعادة النظر في القضايا الملحة بالمنطقة، فالإرهاب يتغذى على روح الغضب التي تولدها المظالم في سوريا والعراق وقبلهما فلسطين. لن يكون صعبا في هذه المرحلة على الوزير كيري أن يجد من يستمع إليه في مشروع محاربة الإرهاب، ولن يعدم الدعم اللازم لتحقيق هذا الهدف، لكن عليه أن يفكر بصورة أوسع إذا أراد أن يقنع الجميع بالجدية في محاربة الإرهاب. داعش رأس الجبل الغاطس في بحر القضية السورية والعراقية ونسف رأس الجبل لن يقتلعه.