جواز السفر هو وثيقة رسمية للسفر إلى خارج حدود الدولة، فهو يتيح تخطي الحدود إلى باقي دول العالم، كما أنه يرتبط بحماية الدولة التي ينتمي إليها صاحب الجواز، وعليه فهو وثيقة رسمية بالغة الأهمية لا ينبغي التفريط فيها. أذكر ذات مرة كنت أقود عربتي في أحد الطرق السريعة ببريطانيا، وبسرعة تجاوزت السرعة النظامية، فاستوقفتني دورية الطرق وترجل منها رجل الأمن متجها نحوي، تملكني بعض الانزعاج، ذلك أنني لم أكن أحمل معي سوى بطاقة إقامتي أثناء دراستي هناك، ولم أكن أحمل أية أوراق ثبوتية كرخصة القيادة ووثيقة تأمين المركبة، طلب مني رجل الأمن هوية إثبات فأعطيته إقامتي، تحدث رجل الأمن من خلال جهازه اللاسلكي معطيا الطرف الذي يتحدث معه رقم العربة التي أقودها، سمعت الطرف الآخر يزوده باسمي وعنوان سكني.
اطمأن رجل الأمن إلى ذلك، ثم سألني عن سبب السرعة فأجبته بأن لدى ظرفا طارئا، ثم أضفت قائلا ومعتذرا بأني لا أحمل أية وثائق خاصة بالعربة، فأجابني الرجل بآخر ما كنت أتوقعه قائلا: إنه من الضروري أن أمتلك هذه الوثائق، ولكن ليس من الضروري أن أحملها معي دوما، ثم أردف قائلا: خذ وثائق المركبة ورخصة القيادة وتوجه لأقرب مركز شرطة لسكنك ليتم التحقق منها، وأنه من الضروري أن يتم ذلك خلال أسبوع، وإلا ستكون عرضة للاستدعاء من المحكمة.
تذكرت هذه القصة عند عودتي مؤخراً من الدار البيضاء إلى المملكة، فعندما وصلت إلى هذه المدينة قمت باستئجار مركبة للتجول بها في بعض المدن المغربية، وحين عودتي للمملكة أوقفت المركبة في أحد المواقف المخصصة لشركات الإيجار بمطار محمد الخامس، ثم دلفت إلى المكتب لإنهاء إجراءات التسليم، وجدت شخصا آخر غير الذي قام بالتعاقد معي عند وصولي، أعطيته المفتاح وسألني عن اسمي، فوجئت به يفتح أحد الأدراج بمكتبه ويخرج العشرات من جوازات السفر استطعت تمييز عدة جوازات سعودية منها، تملكتني الدهشة وسألته: ما هذا وماذا تفعل؟ فأجاب أبحث عن جواز سفرك! قلت له إن جواز سفري بحوزتي، فاستفسر مستغربا: وماذا تركت كضمان لإرجاع السيارة؟ فأجبته بأنه تم حجز مبلغ من بطاقة الائتمان خاصتي، على أن يتم إعادته فور تسليمي السيارة، فقام الرجل بالإجراءات اللازمة لإعادة المبلغ وغادرت المكتب مندهشا.
أعلم تماما أن الأنظمة السعودية تمنع التفريط في الوثائق الوطنية، كما تمنع استخدامها كنوع من الرهن أو الضمان عند استئجار سيارات وفي الفنادق وما شابه، كما أن السفارات السعودية في مختلف دول العالم تشدد على رعاياها ضرورة الحفاظ على جوازات السفر وعدم التفريط فيها تحت أي ظرف مهما كانت مسمياته، وأعتقد أن ما شاهدته في شركة تأجير السيارات التي تعاملت معها يتكرر في شركات تأجير أخرى في المغرب وربما في دول أخرى.
ما حدث في مكاتب التأجير هناك هو شأن داخلي لا علاقة لنا به ولا يحق لنا تقييمه، فلكل دولة نظامها وضوابطها، ونحن لا نعيب عليهم إجراءاتهم، ولكننا نعيب على أنفسنا التفريط في تلك الوثائق شديدة الأهمية، وما أردت التعبير عنه والتحذير منه هو حسن النية التي يتمتع بها البعض، فقد يلجأ مثل هؤلاء الأشخاص بحسن نية لترك وثائقهم المهمة لعدم توفر المبالغ المالية الكافية معهم كضمان لاستئجار سيارة، وهو الأمر الذي قد يتكرر في محطات البنزين أو بعض المطاعم لحين إحضاره المبلغ المطلوب وإنهاء عملية الرهن.
من المهم أن يتمتع الشخص بثقافة الحرص على المكتسبات الرسمية من وثائق وغيرها إدراكا لأهميتها، كما أن حسن النية في الطرف الآخر غير وارد أيا كان، وذلك منعا من العبث بها أو ضياعها أو تزويرها من قبل أي جهات غير مسؤولة، خصوصا إذا علمنا مدى تعقد الإجراءات اللازمة لاستخراج بديل لها وتحمل العواقب الناتجة عن فقدها، ونشر هذه الثقافة هو مسؤولية الجهات الرسمية، وخصوصا الأجهزة الإعلامية، فنشر التحذيرات اللازمة والتعريف بالأضرار الناجمة عن الاستهتار والتفريط في الوثائق الرسمية هو جرس الإنذار الذي سيلفت انتباه المواطنين وسيساعدهم على فهم خطورة الأمر وسوء عاقبته، ومن ثم الاهتمام به وتجنبه مستقبلا وتمرير تلك الثقافة للأجيال القادمة.
dr.mufti@acctecon.com
اطمأن رجل الأمن إلى ذلك، ثم سألني عن سبب السرعة فأجبته بأن لدى ظرفا طارئا، ثم أضفت قائلا ومعتذرا بأني لا أحمل أية وثائق خاصة بالعربة، فأجابني الرجل بآخر ما كنت أتوقعه قائلا: إنه من الضروري أن أمتلك هذه الوثائق، ولكن ليس من الضروري أن أحملها معي دوما، ثم أردف قائلا: خذ وثائق المركبة ورخصة القيادة وتوجه لأقرب مركز شرطة لسكنك ليتم التحقق منها، وأنه من الضروري أن يتم ذلك خلال أسبوع، وإلا ستكون عرضة للاستدعاء من المحكمة.
تذكرت هذه القصة عند عودتي مؤخراً من الدار البيضاء إلى المملكة، فعندما وصلت إلى هذه المدينة قمت باستئجار مركبة للتجول بها في بعض المدن المغربية، وحين عودتي للمملكة أوقفت المركبة في أحد المواقف المخصصة لشركات الإيجار بمطار محمد الخامس، ثم دلفت إلى المكتب لإنهاء إجراءات التسليم، وجدت شخصا آخر غير الذي قام بالتعاقد معي عند وصولي، أعطيته المفتاح وسألني عن اسمي، فوجئت به يفتح أحد الأدراج بمكتبه ويخرج العشرات من جوازات السفر استطعت تمييز عدة جوازات سعودية منها، تملكتني الدهشة وسألته: ما هذا وماذا تفعل؟ فأجاب أبحث عن جواز سفرك! قلت له إن جواز سفري بحوزتي، فاستفسر مستغربا: وماذا تركت كضمان لإرجاع السيارة؟ فأجبته بأنه تم حجز مبلغ من بطاقة الائتمان خاصتي، على أن يتم إعادته فور تسليمي السيارة، فقام الرجل بالإجراءات اللازمة لإعادة المبلغ وغادرت المكتب مندهشا.
أعلم تماما أن الأنظمة السعودية تمنع التفريط في الوثائق الوطنية، كما تمنع استخدامها كنوع من الرهن أو الضمان عند استئجار سيارات وفي الفنادق وما شابه، كما أن السفارات السعودية في مختلف دول العالم تشدد على رعاياها ضرورة الحفاظ على جوازات السفر وعدم التفريط فيها تحت أي ظرف مهما كانت مسمياته، وأعتقد أن ما شاهدته في شركة تأجير السيارات التي تعاملت معها يتكرر في شركات تأجير أخرى في المغرب وربما في دول أخرى.
ما حدث في مكاتب التأجير هناك هو شأن داخلي لا علاقة لنا به ولا يحق لنا تقييمه، فلكل دولة نظامها وضوابطها، ونحن لا نعيب عليهم إجراءاتهم، ولكننا نعيب على أنفسنا التفريط في تلك الوثائق شديدة الأهمية، وما أردت التعبير عنه والتحذير منه هو حسن النية التي يتمتع بها البعض، فقد يلجأ مثل هؤلاء الأشخاص بحسن نية لترك وثائقهم المهمة لعدم توفر المبالغ المالية الكافية معهم كضمان لاستئجار سيارة، وهو الأمر الذي قد يتكرر في محطات البنزين أو بعض المطاعم لحين إحضاره المبلغ المطلوب وإنهاء عملية الرهن.
من المهم أن يتمتع الشخص بثقافة الحرص على المكتسبات الرسمية من وثائق وغيرها إدراكا لأهميتها، كما أن حسن النية في الطرف الآخر غير وارد أيا كان، وذلك منعا من العبث بها أو ضياعها أو تزويرها من قبل أي جهات غير مسؤولة، خصوصا إذا علمنا مدى تعقد الإجراءات اللازمة لاستخراج بديل لها وتحمل العواقب الناتجة عن فقدها، ونشر هذه الثقافة هو مسؤولية الجهات الرسمية، وخصوصا الأجهزة الإعلامية، فنشر التحذيرات اللازمة والتعريف بالأضرار الناجمة عن الاستهتار والتفريط في الوثائق الرسمية هو جرس الإنذار الذي سيلفت انتباه المواطنين وسيساعدهم على فهم خطورة الأمر وسوء عاقبته، ومن ثم الاهتمام به وتجنبه مستقبلا وتمرير تلك الثقافة للأجيال القادمة.
dr.mufti@acctecon.com