-A +A
شتيوي الغيثي
الحياة عملية تأويل متواصلة، والإنسان كان ولا يزال مشدودا لهذه التأويلية في كل سياقاته المعرفية والرمزية والدينية بل وربما العاطفية أحيانا. تداولية المعاني في أصلها عملية تأويلية. المعنى والمعنى المضاد ما هما إلا ما يراه الإنسان ويؤله للوجود الذي يحيط به. كتبت مرة أن الوجود صامت مستنطق من قبل الإنسان؛ يلقي عليه المعاني. يستنطقه من خلال النطق به.
كل ما يحيط بنا هو عملية تأويلية تأخذ أبعادها من خلال الحدث نفسه، وما قبله، وما بعده. ليس هناك حدث محايد. كل حدث له إرهاصاته السابقة، كما أن له في نفس الوقت تداعياته اللاحقة. لا أتحدث هنا عن أسباب مباشرة للحدث ولا عن نتائج مباشرة، وإنما أتحدث عن فضاء سابق يمكن إدراج الأشياء الكثيرة في تشكيلها للحدث حتى وإن كانت بسيطة، ربما تمتد لسنوات طويلة، كما أتحدث عن فضاء لاحق له أكثر من نتيجة، وتترتب عليه أحداثا معاكسة للحدث الأصلي. ما يحصل في العالم العربي حاليا بعد الثورات العربية مثلا ليست وليدة لحظة انفجار سريع في الشعور العربي للظلم والإحساس بالكرامة، وإنما هي وليدة سنوات طويلة وفضاء إنساني مهمش ومحتقن لأسباب طويلة لا يمكن حصرها هنا، وحقن الطائفية طيلة تاريخ طويل، وهذا التأسيس يمتد إلى أبعد من ذلك، ربما يصل إلى الفضاء التراثي نفسه الذي يجعل لبعض الرجال سلطة عن بعضهم الآخر بحكم السلطة التاريخية وهكذا، فالمسائل أبعد من أن نؤطرها في إطار مباشر ومحدود للحد وهو خاضع إلى عملية تأويلية، ومبررة حتى لو كان فيها قتلا لإنسان مظلوم كالأطفال.

الإشكالية التي تبرز مع وجود أي حدث أن التعامل مع الأحداث على تراكمها يتم من خلال تجزئتها إلى أكثر من حدث، وفصل كل حدث عن فضائه العام، أو عن سياقه بحيث يصبح حدثا وحيدا ليس له صلة بعوامله الكثيرة والطويلة التي شكلته، كما يتم التعامل مع الفضاء المعلوماتي والواقعي بنوع من التهميش والتجاهل دون أخذه بمحمل الجد، والنظر بتسفيه للتحرك الجديد للمجتمعات التي تختلف تماماً عما كانت عليه في سنوات مضت، أو التعامل مع المجتمعات بنظرة ما قبل المجتمع التقني. هكذا يتم عزل الإنسان من محيطه ليتم عليه عملية تأويلية هو بذاته ليبرر الجاني كل فعل يفعله. المسألة كيف تؤل! هل لصالح الإنسان وحياته ورخائه؟ أم تؤله لقتله وسحقه وعبوديته؟!.