-A +A
صالح إبراهيم الطريقي
فعل الخير «التبرع مثالا» من القيم الأخلاقية العليا التي تتفق عليها البشرية منذ زمن بعيد، لهذا تجد في كل مجتمع قصصا يتداولها أفراد المجتمع عن أبنائه قديما وحديثا، وعن فعلهم للخير وكرمهم، فتحولوا إلى نماذج للمجتمعات، فعزز فعل الخير عبر تاريخ البشرية.
ولكن إن تم بناء توجه لأفراد المجتمع باتجاه واحد لفعل الخير، بالتأكيد لن يفقد هذا العمل جوهره الحقيقي «فعل الخير»، بيد أن المجتمع سيفتقر لفاعلي الخير باتجاهات أخرى، وهنا تحديدا على فاعل الخير طرح سؤال: «ما هي الأولويات»؟

ما فات مقدمة للحديث عن شارع «الحسن بن الحسين بن علي» الواقع شمال شرق مدينة الرياض، في هذا الشارع يوجد جامع كبير «جامع عبدالمحسن المحيسن» لأداء صلاة الجمعة، بالإضافة للمساجد الصغيرة داخل الحارات «لأداء الصلوات بباقي الأيام».
قبل أيام وعلى نفس الشارع فتح جامع كبير لا يبعد عن الجامع القديم «100 متر تقريبا»، ويمكن للواقف عند أحدهما سماع خطبة إمام الجامع الآخر، وهذا ما يستدعي السؤال السابق الذي طرحته: ما هي أولويات الشارع أو الحي، وهل يحتاج جامع آخر بهذا القرب لصلاة الجمعة؟
أم كان يمكن لفاعل الخير توجيه فعله باتجاه آخر يحتاجه المجتمع أيضا، وبدل بناء جامع جديد في نفس الشارع وبهذا القرب، يبنى مجمع سكني «وقف» ليضم الفقراء واليتامى والأرامل والمساكين، والذين دخلهم يفرض عليهم إما دفع أطفالهم للعمل معهم لدفع الإجار أو توفير غذاء ورعاية صحية جيدة وتعليم لأطفالهم؟
بقي أن أقول: إن هذا المقال ما هو إلا محاولة لإقناع فاعل الخير بأن يطرح على نفسه دائما سؤال «ما هي الأولويات أو احتياجات المجتمع»، وهل يحتاج «الحي ـ الشارع» إلى جامع آخر كبير، أم يحتاج إلى مجمع سكني «وقف» لليتامى والأرامل والمساكين، قبل أن يمضي في فعله للخير؟
قلت: إن المقال محاولة لإقناع فاعل الخير، وليس المطالبة بتدخل مؤسسات المجتمع لتحديد الأولويات، لأنه لا يحق لأحد ـ المؤسسات وأفراد المجتمع بكتابه ـ أن يفرضوا رأيهم، أو يسلبوا فاعل الخير حقه بأن يحدد أين تذهب أمواله، طالما هو يصرفه في الخير، إذ إن كلا الأمرين «بناء جامع أو مساكن للفقراء» فعل خير.