-A +A
عزيزة المانع
أخيرا، صوت الشعب الأسكوتلندي بلا .. للانفصال عن الاتحاد البريطاني، فتنفس الشعب البريطاني الصعداء، بعد أن ظل طويلا يرقب متوترا تطورات المطالبة بالانفصال بين أسكتلندا والمملكة المتحدة.
كم أشعر بالغيرة من هذه الشعوب الواعية التي تستطيع أن تقفز على انفعالاتها واندفاعاتها العاطفية، لتركن إلى التفكير الهادئ المتزن فتحسب في ميزان الربح والخسارة ما يمكن أن تجنيه أو تفقده بسبب مطالبتها بالانفصال

حين يكون هناك وعي ونضج فكر، تتراجع تأثيرات الألفاظ المثيرة كالاستقلال والحرية والهوية وغيرها، لتبقى رؤية العقل الواعي التي تنظر بعمق إلى مسافات أبعد فترى ما يمكن أن يؤول إليه واقع الحال فيما لو تحقق ما تريد من الانفصال.
لا شك أن من ينادون بالانفصال عن الاتحاد يريدون الخير لبلدهم بما في ذلك من قوة سياسية واقتصادية وعلمية، فإن لم يوفر لهم الانفصال ذلك الخير فما جدواه؟ ما جدوى أن تنفصل أسكوتلندا مستقلة بذاتها ثم تجد نفسها عاجزة عن تدبير شؤونها، فاقدة لكثير من المزايا التي كانت تنعم بها في ظل الاتحاد؟
ميزة الشعوب الواعية أنها لا تنساق وراء (الهوى)، والهوى هنا هو إغراءات العواطف التي تدعمها الانفعالات، فالحماسة للحصول على الاستقلال، وإبراز الهوية الأسكوتلندية أو غير ذلك من العواطف المغرية بالمطالبة بالانفصال، لا تنجح إلا متى كان الناس لا يجيدون التفكير، فتعمى بصائرهم عن رؤية الصواب وأين تكون مصالحهم الفعلية ويندفعون وراء ما تسوقهم إليه عواطفهم وأهواؤهم.
يبقى السؤال المحير، ما الذي يصنع وعي الشعوب؟ لم ينضج العقل لدى بعض الشعوب ويظل طفلا أهوج لدى بعضهم الآخر؟
كنت أظن أن التعليم هو ما يصنع هذا، لكني وجدت أن أثر التعليم ضئيل في هذه المسألة، فالتعليم قد يكسب صاحبه تعلم مهارات لكنه ليس دائما يكسبه نضجا في الرؤية العقلية، وكم من حملة درجات علمية عالية، لكنهم في ميزان القدرة على التفكير الجيد ونضج العقل، لا يختلفون كثيرا عن غيرهم من العوام، فتنطلي عليهم الخدع، ويبتلعون بغباء طعم مغازلة العواطف، وإثارة الانفعالات الذي يزرعه أعداؤهم داخل أوطانهم ليمزقها شر تمزيق، وبدلا من أن يروا تلك الحقيقة، ويدركوا الشرك المنصوب لهم، يبادرون إلى التجاوب الأهوج غير مدركين أبعاد المصير السيء الذي ينتظرهم.
إن الشعوب التي يغيب عنها الوعي، ويبتعد عن نهجها النضج العقلي، تظل تختنق بدخان نزاعاتها وتغرق في دمائها، لا أمل لها في نمو ولا قوة ولا سلام.
كيف خلقت الشعوب الواعية وعيها؟ هذا هو سر اللعبة!!