-A +A
علي الرباعي (الباحة)
يعد الباحث الدكتور عيد اليحيا نموذجا في الصبر والطموح وحسن الانتماء جاس خلال الجزيرة العربية ليتتبع مسار شعراء المعلقات ويقدم أشعارهم من بيئتهم وما تبقى من آثارهم في حلقات من خلال شاشة «العربية» وهنا رصد للفكرة وآليات العمل ومواضيع شيقة وجديرة بالقراءة المتأملة متأنق هذا الباحث المعتق في هوى البلاد ومتعلق بصباحات لم يطمثهن أحد من قبله وهنا نص الحوار:


• ما الذي أغراك بخوض هذه التجربة؟
بحكم دراستي الطويلة في أوروبا أرقني سؤال لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا، ورحت أبحث عن إجابة ووجدت أن مفكرينا العرب الجابري والأنصاري ومالك بن نبي وحتى البليهي اشتغلوا على أعراض الأمراض في حين اتجهت إلى الأسباب التي حددتها في ثلاثة أركان مفقودة في الدولة الوطنية أولها الأنثربولوجي وأعني به معرفة المجتمع من خلال الثقافة والتربية والمناهج الدراسية والمناشط الثقافية، ثم أركولوجيا البيئة وأعني ما مر على الأرض من حضارات وكتابات وأبنية وطرق، ثم الجيولوجي وأعني تفاصيل وتضاريس المكان.
• هل هذه المكونات مفقودة في عالمنا العربي؟
مع الأسف لا يوجد و في مصر هناك أركولوجيا (أهرامات، وآثار فرعونية، وحفريات) ولذا تعلق المصريون بمصر، وفي أمريكا مثلا استشعروا هذا النقص فعمدوا إلى أفلام الكاوبوي وحمل السلاح والقبعة والخيل والأطعمة الأمريكية.
• ما زلت على قناعة أن هناك محفزا أكبر دفعك إلى هذا العمل؟
أوافقك أن عشقي للأدب أكبر محفز والجزيرة العربية مهد الحضارات ومن هنا خرجت الألف باء، والغرب يحاول إعادة انتاج الثلاثة أركان من خلال حجر أو صخرة وبلادنا متحف كبير ونحن غافلون عنه.
• متى بدأت الفكرة لهذا العمل؟
منذ أكثر من عشرين سنة، استشعرت أن بعض المستشرقين على مدى تاريخهم يريدون ضربنا في مقتل من خلال التهوين من شأن تراثنا وبث الشكوك في لغتنا وقطع صلتنا بالموروث ولم يخضعوه للقراءة حبا فيه وتعلقا به و(جان ليون جيروم) سبق طه حسين في الشك في الشعر الجاهلي وطه حسين إنما أخذ فكرته وبنى عليها قناعته بالشعر بالمنحول لاحقا وهذا مقصود كونه يفصلنا عن أصولنا وأرضيتنا الأولى وأي أمة تريد إفشالها اضربها في لغتها، وفي عام 1947 أخرج اليهود اللغة العبرية وأعلوا شأنها وكذا الفرنسيون والألمان ونحن أصل الحضارة ومرجع اللغات نتفاخر بالرطانة باللغات الأجنبية ولا نتقن لغتنا الأم إلا ما رحم ربي.
• ما هي نواة الانطلاق؟
بدأ المشروع بجمع المصادر والمراجع واعتمدت على ياقوت الحموي والهمداني، ومحمد بن بليهد الذي دعمه الملك عبدالعزيز وشجعه على التوثيق وتوفي 1954م، ثم سعد بن جنيدل وحمد الجاسر، وعبدالله بن خميس، رحمهم الله، ومحمد العبودي حفظه الله وهؤلاء كلفهم الملك فيصل رحمه الله بتوثيق الأماكن التي وردت في الشعر الجاهلي بعد أن التقى أمين الريحاني في أمريكا ودار بينهما حديث حول هذا الموضوع ووفر لهم الملك فيصل رحمه الله ما يحتاجون من تموين لازم للرحلة ورصدوا المواقع في عشرين يوما ثم بدأوا العمل على تأليف المعاجم، كذلك عبدالله الشايع ومحمد الشاوي إذ من معاجمهم ومعاجم من سبق انطلقت في العمل.
• ما أبرز ما استثارك من كتب المعاجم؟
أنا باعتباري درست السياسة والأنثربولوجي درست المعاجم وقاربت بينها ووجدت بينها اختلافا في تحديد المواقع ذلك كون أسماء الأماكن تتكرر والسبب أن العربي كلما ارتحل إلى موطن جديد شده الحنين فاستعاد اسم المكان ومن هنا يقع إشكال التكرار والخلط بين الأماكن.
• هل قرأت معاجم غربية؟
نعم فأنا أجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
• من ساند ودعم الفكرة؟
تصور أني خاطبت أكثر من عشرين جهة حكومية وأهلية منذ سبعة أعوام بل ووصلت لبعض دول الخليج ولم يستجب لي أحد وأعدت المخاطبات فلم تجد فكرتي أي قبول ولكني لم أستسلم، فاقترح علي أحد الأصدقاء استحداث قناة على اليوتيوب وبدأت بزيارة المواقع والتصوير بكاميرا جوال وبمساعدة صديق بدأت النشر على اليوتيوب وتلقى المتابعون عملي بالقبول والترحاب.
• كيف وصلت لقناة العربية؟
«العربية» قناة مهنية وعروبية برغم أنها ليست وثائقية إلا أنهم تابعوا عملي على اليوتيوب فاتصل بي مدير القناة في المملكة خالد المطرفي وأبلغني أن مدير القناة عبدالرحمن الراشد يريد مقابلتي فذهبت وشرحت له الفكرة فراقت له بما عرف عنه من مهنية عالية وخبرة إعلامية وتم تكوين فريق عمل من سبعة اشخاص وسيارتين وانطلقنا من الرياض إلى الخرج ثم الأفلاج ثم جنوب الدواسر، إلى نجران ثم جازان وجبال القهر، والطائف والباحة وتهامة خصوصا الأصدار في تهامة مواطن هذيل ثم الطائف وركبة ومهد الذهب وحرة النار وخيبر وتيماء خلال رحلة استغرقت 45 يوما.
• كم حلقة سجلتم وما مواعيد بثها؟
سجلنا 25 حلقة وكانت حلقة السبت الماضي مفتتحا للحلقات، وتبث الحلقات منذ السبت المقبل عند الساعة الحادية عشرة مساء وتعاد عند الخامسة من عصر الأحد والثانية من ظهر الجمعة.
• هل مررت بمواقع وآثار 25 شاعرا؟
بالطبع لا فبعض الشعراء ومنهم امرؤ القيس وعنترة خصصنا لكل واحد منهما أربع حلقات.
• ما أبرز الصعوبات التي واجهتكم؟
نمنا في أماكن فيها سباع وكنا نسمع أصوات الذئاب ونرى أثرها، وتمر بنا أيام لا نرى فيها بشرا.
• بماذا استعنت وهل من دليل؟
خبرتي الطويلة في السفر والترحال وبعض الخرائط والإحداثيات لكنها ليست على درجة عالية من الاتقان وأصدقك القول إن كل شبر في هذه المملكة كأنه بيتي فبلدي عزيز وأنا أعشقه وأحب أهله.
• ما أغنى مكان تطابق فيه التاريخ مع الواقع؟
برقة ثهمد وتسمى (شرثة) في الدوادمي، وعندما قال طرفة «لخولة أطلال ببرقة ثهمد .. تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد» كنت أتساءل كيف تلوح فوجدت دون علم مسبق جدارا من حجر الجرانيت له لمعة وواضح أنه بناء جاهلي وقديم.
• ما الذي كدرك؟
هناك عبث وتطاول على الآثار في كل مكان ولك أن تتصور أن لدينا آثارا من 10 آلاف سنة ولا تحظى باهتمام هيئة السياحة ولا محافظي المناطق ولا رؤساء المراكز برغم أن لديهم دوريات ومجاهدين.
• هل مررت بجميع المناطق بسهولة دون اعتراض من أحد؟
كان معي تصريح من وزارة الداخلية وآخر من الهيئة العليا للسياحة سهل علينا أمور التنقل ودخول جميع مواقع الآثار.
• أتحب الشعر؟
جدا وأعشقه قراءة وحفظا، والمفسرون للقرآن كانوا يلجأون للشعر إن أشكل عليهم معنى كلمة، وهناك توجهات للشعر الشعبي يقوم عليها حتى مستشرقون.
• هل كنت تتكلف الإلقاء ومسرحة الأداء؟
على العكس ما تراه على شاشة «العربية» هو تفاعل وجداني وحركي وليس افتعالا فأنا مسكون بالمشروع حد الهيام وكل موقع ومكان سكنني قبل أن أنقله للناس.
• أنت رجل بحث علمي تجريبي يقوم على نظريات فهل تقطع بأن ما ورد في الحلقات حقيقي ومطابق للواقع؟
معظمه نعم وأشرت في بعض الحلقات إلى الاحتمالات وكنت أقول «ربما» لأخرج من دائرة القطع بحقيقة الأشياء .
• بماذا خرجت من الرحلة؟
أن الجزيرة العربية مهد الحضارات وأن بها مسميات تثبت أنها مهد الإنسان الأول منذ آدم ثم إبراهيم عليهما السلام وهناك موقع (حضارة المقر) بين بيشة وتثليث تم اكتشافه قبل ثلاث سنوات وهو أقدم من الفاو، ومن الأخدود وجدوا به نحتا صخريا (رأس حصان ملجم )، اخضعوه للكربون المشع واتضح ان عمره أكثر من 10 آلاف سنة، وهذا دليل على أن الحصان دجن هنا وليس بين النهرين كما تزعم بعض المراجع، والفينيقيون أصلهم من هجر، واللغات الثمودية واللحيانية والمسمارية والمسند كلها آلت إلى العربية كونها وريثة اللغات عدا الهيروغليفية لأنها رسوم وليست كتابة.
• كيف ترى توظيف بعض المواقع في المناسبات الوطنية؟
في المناسبات الوطنية أرى أن توظف مجموعة أمكنة وليس مكانا واحدا ومنها: الجبال البركانية الفريدة التكوين في حرة النار (حرة بني رشيد) مثل: الرأس الأبيض، البيضاء، جبل القدر.. وفي حائل: جبل محجة، الغراميل في العلا، جبال المسمى في حائل، جبال أجا في حائل، صخرة علم فيضة المسعار في جبال العلم، جبال سلمى في حائل، جبال السراة بين الطائف والباحة وبين الباحة وأبها، جبال فيفا، قرية سلامان القديمة في الباحة، صدور تهامة بين الطائف والباحة، غابات ركبة (وجرة قديما) المغارات الضخمة في حرة النار، الكتابات والرسومات في المنجور في الشويمس وفي جبة، أماكن لا يمكن حصرها وكلها جميلة.
• ما هي رسالتك لسمو وزير التربية؟
رسالتي لوزير التربية هي: أن التربية لا يمكن أن تنفصل عن الأركان الثلاثة التي ذكرتها سابقا، فطلاب المدارس في الدولة المتقدمة لا يجلسون في الفصول طوال الوقت، بل تأخذهم المدارس إلى المواقع الأثرية والجيولوجية وأماكن عاش فيها رجال من أمتهم لهم فضل على بلدهم.
• ما تقييمك لبعض من يربط بين الآثار وبين الوثنية؟
أرى أنها نظرة تدل على جهل أكثر من أنها تدل على سوء الطوية والناس أعداء ما جهلوا، والقرآن أمر بالسياحة وأمر بالمشي في الأرض وأمر بالتأمل في قصص الماضي وأمر بالسير في الأرض فالدين ليس لديه موقف عدائي من الآثار.
• ما مدى قدرتنا على توظيف الآثار سياحيا واستثمارها؟
الدولة لا يمكن أن تستمر في الاعتماد على البترول فقط وأبناؤنا لهم الحق في أن يعيشوا في تقدم وازدهار ولا بد من الاستثمار في المواقع والتشكيلات الجيولوجية النادرة الموجودة عندنا وكذلك تأهيل الآثار من قبل رجال الأعمال الذين يجب أن يسهل لهم الاستثمار بطريقة تتماشى مع البيئة.
• ماذا تود قوله في الختام؟
الشكر لقناة العربية على تبني المشروع والشكر لـ«عكاظ» على إتاحة فرصة الحوار.