-A +A
مشعل السديري
ذهلت عندما قرأت معلومة كشفت عنها (منظمة الصحة العالمية) وجاء فيها:
أن ما لا يقل عن (800) ألف شخص (ينتحرون) سنويا في جميع أنحاء العالم.

ومعنى ذلك أن شخصا ينتحر في كل (40) ثانية.
والذين يحاولون الانتحار ويفشلون هم أكثر بعشرين ضعفا ممن ينجحون.
أي أن هناك (16) مليون محاولة انتحار لم يكتب لها النجاح لعدة أسباب مختلفة.
المشكلة التي أرقتني وأطارت النوم من عيوني، هي إنني قرأت تلك المعلومة غير المباركة قبل دقائق من إطفاء النور لأخلد إلى النوم.
فأنا في العادة لا يجيب رأسي بالنعاس، ولا يكتم أنفاسي بالنوم، سوى القراءة عندما أتسطح على سريري، وعادة ما تكون مواضيع قراءتي في مثل ذلك الوقت بالذات، هي من النوع المتفائل الخفيف، الذي يجلب معها فيما بعد المزيد من الأحلام المبهجة.
ولكن تلك المعلومة السوداوية عن الانتحار التي لا أعرف كيف انحشرت بين الأوراق والسطور، جعلتني أتقلب طوال الليل متخيلا نفسي من ضمن مئات الآلاف الذين ذهبوا إلى حتفهم بأيديهم.
لا أكذب عليكم بأن رعبا عظيما قد أصابني، وفرحت جدا عندما سمعت زقزقة العصافير بالخارج تعلن قدوم الصباح، وعندما ذهبت لأغسل وجهي هالني احمرار عيني، وانتفاخ جفني، وتقطيب حاجبي، وتهدل خشمي الذي كاد أن يصل إلى ذقني، إلى جانب نشفان ريقي بالطبع.
وبعد أن انتهيت تناولت عبوة ماء صغيرة و(قربعتها) سريعا في جوفي دفعة واحدة، فهدأت من مزاجي قليلا، وها أنذا أبدأ يومي باسم الله واكتب متسائلا:
هل المنتحر يعتبر إنسانا شجاعا أم جبانا؟!، إن قلت عنه إنه شجاع فلن أجانب الصواب، وإن قلت عنه إنه جبان فهو فعل كذلك، وهاتان الصفتان هما اللتان أتمنى أن لا أتحلى بهما على الإطلاق.
وأخطر مرحلة في حياة الصغار هي من عمر (15/19)، خصوصا إذا وقع على الواحد منهم ضغوط، وتورط بالمخدرات، وآثـر الانطواء، وأخذ يردد كثيرا كلمة: أنا طفشان، الحياة مالها طعم، أريـد أن أتخلص من نفسي، وهكذا.
وتختلف وسائل الانتحار كوضع فوهة المسدس بالفم ثم إطلاق الرصاص مثلما فعل (هتلـر )، أو رمي النفس من الدور الثامن مثلما فعلت (سعاد حسني)، أو الحرق بالنار مثلما فعل (بوعزيزي) أو الغرق بالماء مثلما فعل بطل فيلم (تايتنك)، أو الشنق بالحبل مثلما فعلت إحدى العاملات الأثيوبيات.
ويبدو أن ألطف هذه الوسائل وأكثرها رقة وفعالية هي تناول (الحبوب المنومة)، مثلما فعلت حسنة الذكر العطر (مارلين مونرو)، ويقال إنهم وجدوها متمددة بقميص نومها الشفاف الوردي وعلى شفتيها ابتسامة.
أبعد اللـه الأحباب فقط عن أي انتحار.
أعتقد أن لا وسيلة تحصننا من التفكير به، سوى المزيـد من الإيـمان بالله.