-A +A
محمد السديري
أيام قليلة وتبدأ مناسك الحج، ويقف حجاج بيت الله على صعيد عرفة بمشاعر إيمانية تحقق غاية هذه الفريضة السامية في زمانها ومكانها وأهدافها. لن أتعرض لعظم هذه الشعيرة وهذا الركن الأعظم بقدر ما هي قراءة لظروف الحج التي عاشها الآباء والأجداد، وما وصل إليه الحج اليوم من منجزات حضارية منقطعة النظير وحركة تطويرية لا تهدأ في مختلف المجالات التي تشهدها هذه الأرض مهبط الوحي ومنبع الرسالة المحمدية التي أنارت الطريق للبشرية.
قبل أن تتوحد المملكة ويتحقق لهذا الكيان رخاؤه وأمنه، كان الحاج إذا نوى الحج فإنه يكتب وصيته ويودع أهله وداع من لا أمل له بالعودة، فالذاهب إلى الحج مفقود والعائد منه مولود، فإذا عاد فرح أهله وأقاموا له الاحتفالات وذبحوا الذبائح ورددوا الأهازيج فرحا بسلامة عودته.

كان الحج برغم روحانيته ورحلته الإيمانية موسما للخوف والأخطار من غوائل الغدر والسطو والعدوان وكان الحجاج عرضة للهوام واللصوص وقطاع الطرق، وربما المتاهة والضياع والموت عطشا وجوعا في الطرق الوعرة والمسالك غير الآمنة قبل أن يصلوا إلى مكة.
كل تلك الأجواء المظلمة والصعبة التي عاناها حجاج بيت الله والمشقة والجهد والمعاناة وفقدان الأمن لم تكن لتنتهي لولا وحدة القلوب التي شهدتها هذه الأرض، وتوحيد هذا الكيان على يد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود ــ طيب الله ثراه ــ الذي سارع منذ توليه الحكم إلى بسط الأمن وتأمين طرق الحج وكل أنحاء البلاد، فتغيرت الأحوال وساد الأمن والرخاء وانتهت الاضطرابات والحروب والفتن وأفاض الله بالخير على هذه البلاد وأصبحت الطرق آمنة والرحلة سهلة وتحول الحج من مغامرة محفوفة بالمخاطر إلى نزهة إيمانية آمنة ومطمئنة.
لقد حظيت المشاعر المقدسة بعناية خاصة ورعاية تامة وصار الحج من الأمور المركزية في اهتمامات الدولة؛ إدراكا من المملكة حكومة وشعبا بعظم المهمة وبشرف خدمة حجاج بيت الله وخدمة الحرمين الشريفين، حيث عملت على توفير المزيد من الأمن والرخاء والاستقرار لضيوف الرحمن، حتى يستطيعوا أداء فريضة الحج في جو من الطمأنينة والراحة مركزة في جهودها لتطوير أعمال الحج من منظور استراتيجي ورؤية راسخة للانتقال بأعمال الحج نحو مراحل متقدمة تفي بأهداف السياسات العامة المطلوبة، وأولت مجالات الخدمات والبرامج والمشروعات المتعلقة بتوفير وتطوير مرافق الحج عناية خاصة واهتماما كبيرا فأقيمت مشاريـع عديدة في الطرق والمواصلات والصحة والعمران ودعم أسطول النقل الجوي ونفذت مشاريـع ضخمة عمرانية وإنشائية وتوسيع الطاقة الاستيعابية لمواجهة ازدياد أعداد الحجاج وبما يضمن توفير السكينة والطمأنينة والأمن والسلامة التي تحقق للحجاج الراحة النفسية منذ انطلاقهم من أوطانهم وحتى إتمام حجهـم.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين شهد الحرمان توسعات عملاقة فاقت كل التصورات والتقديرات، ولم يشهد التاريخ لها مثيلا.
من تلك المشروعات التطويرية والأعمال النبيلة والجليلة التي تصب كلها في خدمة ضيوف الرحمن مشروع قطار المشاعر المقدسة، والتوسعة الهائلة للحرم التي أراحت الحجاج
ولازالت مستمرة لتوسعة المطاف، ومشروع الخيام المطورة بمنى غير القابلة للحريق التي أسهمت في الارتقاء بوسائل الأمن والسلامة والوقاية، ومشروع منشأة الجمرات الذي نجح في منع وقوع حالات وفاة وإصابات بين الحجاج بسبب الازدحام والتدافع، وغيرها من مشروعات تصريف السيول واستصلاح الأراضي بعرفات ومنى ومزدلفة لزيادة الطاقة الاستيعابية لتلك المشاعر ناهيك عن ما تحشده الدولة من الإمكانات المادية والبشرية والاستعدادات الأمنية والعسكرية في مواسم الحج لتقوم على راحة ملايين المسلمين من كل بقاع العالم على اختلاف مشاربهم وألوانهم عبر هذا التجمع الروحاني الذي تديره المملكة بكل كفاءة واقتدار في كل عام.
إن ما تبذله المملكة لخدمة حجاج وزوار بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة يفوق الوصف فقد انتهجت الدولة صفة الديمومة في المشاريـع الخدمية التي يشهدها الحرمان الشريفان طوال السنوات الماضية لا يمر عام إلا وتشهد المشاعر المقدسة المزيد من المشاريـع في كافة المرافق الخدمية التي تستهدف بالدرجة الأولى توفير أقصى سبل الراحة لحجاج بيت الله الحرام منذ قدومهم إلى المملكة وحتى مغادرتهم إلى أوطانهم سالمين غانمين.
ختام القول، نسأل الله أن يوفق حكومتنا للاستمرار في القيام بهذا الشرف العظيم وخدمة ضيوف الرحمن، وتهيئة ما يحقق سلامتهم وراحتهم وسهولة أداء مناسكهم، وأن يتقبل من الحجاج حجهم .. ودمتم جميعا سالمين.