في كتابه (الكاتب وكوابيسه) يورد (ساباتو) أن (ديستوفسكي) أراد أن يكتب مقالا تعليميا يحارب الإدمان على الكحول في روسيا، لكن بدلا من ذلك كتب روايته البديعة (الجريمة والعقاب) أي أنه أراد أن يكتب شيئا فكتب غيره. لكن باحثا آخر هو (ي. كارياكين) في كتابه (ديستوفسكي، إعادة قراءة) تتبع تأليف الرواية، حيث فكر ديستوفسكي في كتابتها تحت ضغط حاجته إلى النقود. كتب في إحدى رسائله «والآن أوشك على البداية في كتابة رواية تحت الكرباج، أي بسبب الحاجة المطلقة إلى النقود، ويجب أن أجعلها مهمتي السريعة.. ومع ذلك لا يزال يبدو أنني أحيا لتوي، مدهش، أليس كذلك؟ إنه نوع من تشبث القطط بالحياة!». حينما بدأ في كتابتها ولأحواله المادية المتدهورة ولديونه ؛ أخبروه في المكان الذي يقيم فيه أنهم لن يقدموا إليه الغداء ولا الشاي ولا القهوة، وقد أمضى ثلاثة أيام بلا أكل، ويعيش على كوبين من الشاي صباحا ومساء، ولم يكن ذلك يزعجه، فما أزعجه هو أنهم لم يعطون شموعا في الليل.
بعد أن استمر في كتابتها أسابيع عدة أحرق كل ما كتبه، ليس لشيء إلا لأنه لم يحب ما كتبه، ثم اتضح فيما بعد أن سبب الحرق هو أن الدافع الحقيقي لجريمة (راسكولينكوف) لم يكن مقنعا، لذلك شرع يكتب من جديد وبحبكة جديدة، وببحث عن دافع حقيقي لتلك الجريمة.
وهو يكتب تحت ضغط الوقت، حاول إسكات أحد الدائنين فأملى رواية (المقامر) على كاتبة اختزال، ثم عاد الى القسم الأخير من الرواية، وفي هذه الاثناء اعترف بحبه لأحدى النساء وطلب منها الزواج. قال لها (ماذا سيكون ردك؟) فأجابت: «سيكون ردي أنني أحبك وسأظل أحبك طوال حياتي» وسرعان ما وظف ذلك الموقف العاطفي في الرواية الذي سيظل موقفهما نفسه.
التفاصيل كثيرة لا يتسع لها المقال، والخلاصة أنه كتب الرواية وأنهاها في أشد لحظات حياته حرجا ومرضا ومحنة ، وأصبح (راسكولينكوف) البطل الجديد للعصر الجديد، مثلما كان آخرون أبطالا لعصور أخرى كدنكيشوت وفاوست.
يختم (ي. كارياكين) هذا الفصل الذي جعل عنوانه (إن قلبي بأكمله ينزف) قائلا: يبدو أن فهم الجريمة والعقاب، يكمن في أن نضع جنبا إلى جنب بدايتها ونهايتها، صفحاتها الأولى والأخيرة. مثل هذا التجاوز يعطينا نفاذا إلى حجم وزمن ومعنى الحدث. إنه أيضا يساعدنا في إدراك لماذا لا تبدأ الجريمة بالقتل، ولا تنتهي باعتراف البطل في قسم البوليس، ولماذا لا يعني اعتراف راسكولينكوف ندمه، ولماذا يتعذب راسكولينكوف ليس بوخزات الندم، بل بكبريائه المجروح، ولماذا يستغرق حدث القصة ليس أسبوعين، بل سنتين ويدخل عندئذ اللانهاية، يدخل مستقبلا سوف يجلب إلى العالم إما الكارثة أو الخلاص، وأخيرا، لماذا يهتم المرء بمصير طالب غامض من زقاق النجار في سان بطرسبرج وكأنه يهتم بمصيره الخاص، وبمصير الإنسانية.
بعد أن استمر في كتابتها أسابيع عدة أحرق كل ما كتبه، ليس لشيء إلا لأنه لم يحب ما كتبه، ثم اتضح فيما بعد أن سبب الحرق هو أن الدافع الحقيقي لجريمة (راسكولينكوف) لم يكن مقنعا، لذلك شرع يكتب من جديد وبحبكة جديدة، وببحث عن دافع حقيقي لتلك الجريمة.
وهو يكتب تحت ضغط الوقت، حاول إسكات أحد الدائنين فأملى رواية (المقامر) على كاتبة اختزال، ثم عاد الى القسم الأخير من الرواية، وفي هذه الاثناء اعترف بحبه لأحدى النساء وطلب منها الزواج. قال لها (ماذا سيكون ردك؟) فأجابت: «سيكون ردي أنني أحبك وسأظل أحبك طوال حياتي» وسرعان ما وظف ذلك الموقف العاطفي في الرواية الذي سيظل موقفهما نفسه.
التفاصيل كثيرة لا يتسع لها المقال، والخلاصة أنه كتب الرواية وأنهاها في أشد لحظات حياته حرجا ومرضا ومحنة ، وأصبح (راسكولينكوف) البطل الجديد للعصر الجديد، مثلما كان آخرون أبطالا لعصور أخرى كدنكيشوت وفاوست.
يختم (ي. كارياكين) هذا الفصل الذي جعل عنوانه (إن قلبي بأكمله ينزف) قائلا: يبدو أن فهم الجريمة والعقاب، يكمن في أن نضع جنبا إلى جنب بدايتها ونهايتها، صفحاتها الأولى والأخيرة. مثل هذا التجاوز يعطينا نفاذا إلى حجم وزمن ومعنى الحدث. إنه أيضا يساعدنا في إدراك لماذا لا تبدأ الجريمة بالقتل، ولا تنتهي باعتراف البطل في قسم البوليس، ولماذا لا يعني اعتراف راسكولينكوف ندمه، ولماذا يتعذب راسكولينكوف ليس بوخزات الندم، بل بكبريائه المجروح، ولماذا يستغرق حدث القصة ليس أسبوعين، بل سنتين ويدخل عندئذ اللانهاية، يدخل مستقبلا سوف يجلب إلى العالم إما الكارثة أو الخلاص، وأخيرا، لماذا يهتم المرء بمصير طالب غامض من زقاق النجار في سان بطرسبرج وكأنه يهتم بمصيره الخاص، وبمصير الإنسانية.