-A +A
عبدالإله ساعاتي
أدعو الله ــ سبحانه وتعالى ــ أن يتغمد الأب وابنه ضحيتي خزان الصرف الصحي بواسع رحمته وغفرانه.. وأبتهل له ــ تعالى ــ أن يلهم زوجة الشاب أم الطفل المكلومة الصبر والسلوان على الكارثة والمصيبة المأساوية التي أصابتها في زوجها وابنها أمام ناظريها.. وأي مصيبة أكبر من ذلك.. وكذلك الحال لوالدة الشاب وبقية ذويه.. إنه سميع مجيب.
الأب الشاب في مقتبل العمر وزهرة الشباب.. حصل على درجة الدكتوراه في هندسة البرمجيات وتقنية المعلومات، وعاد لتوه إلى وطنه عقب حصوله على درجة الدكتوراه فرحا بالنجاح العلمي الذي حققه.. وفرح به الوطن ابنا من أبنائه يحقق إنجازا علميا من جامعة عالمية ويعود إلى أهله ووطنه ليشارك في بنائه وتنميته.
هكذا بكل بساطة تترك بالوعة خزان الصرف الصحي مفتوحة أمام المارة لتبتلعه وابنه.. في لحظات مأساوية أليمة!!.
لم تفجع هذه المأساة الأم الزوجة ووالدة الشاب وذوي الفقيدين فحسب.. بل هزت المجتمع ككل.. الجميع يتحدثون ويتفاعلون عن ومع الحادث المأساوي في المجالس الاجتماعية وفي وسائل الإعلام ومنابر التواصل الاجتماعي المختلفة.
ولقد جاءت مبادرة أميرنا المحبوب مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة بتقديم العزاء والمواساة لذوي الفقيدين ذات أثر إيجابي كبير.. تجسد قربه من مواطنيه وتفاعله مع أتراحهم ومشاركتهم أحزانهم.. وهذا ديدن قيادتنا الرشيدة.
كما أن توجيه سموه بتشكيل لجنة عاجلة للتحقيق في ملابسات ووقائع الحادثة المأساوية وكشف حقائقها.. أمر مطلوب يتطلع إلى نتائجه الجميع.
ورغم أن بعضنا سارع إلى إلقاء اللوم على أمانة جدة.. إلا أن الحقيقة هي أن الأمانة لا علاقة لها بأمر الصرف الصحي.. فالصرف الصحي من اختصاص (الشركة الوطنية للمياه).. هي الجهة الرسمية المسؤولة عن مياه الشرب، وكذلك عن مياه الصرف الصحي وتصريفها.
وتقودنا هذه الحادثة المأساوية إلى التركيز على أساس المشكلة.. ألا وهي مشكلة الصرف الصحي الأزلية في مدينة جدة.. وهي المدينة التي يفترض أن تكون شاهدة على التطور الحضاري الكبير الذي تشهده بلادنا العزيزة..
عشرات السنوات مضت، ومليارات الريالات أنفقت على مشاريع الصرف الصحي في مدينة جدة.. إلا أننا ما زلنا نعاني من هذه المعضلة المزمنة حتى اليوم.. بل وحتى غد.. حتى الأحياء الحديثة في المدينة بما فيها أهم طريق فيها.. ألا وهو طريق التحلية الذي وقعت فيه الحادثة الأليمة.. لم تصله مشاريع تصريف مياه الصرف الصحي حتى الآن!!. وامتدادا لذلك نتساءل أيضا: ما الذي يضمن لنا عدم تكرار مثل هذا الحادث المأساوي.. وتتواصل الأسئلة الموضوعية في هذا الصدد.. ما هي معايير تنفيذ هذه المشاريع وهذه الخزانات والمواد المستخدمة فيها؟!.
وهل لدينا أنظمة واضحة تتحدد من خلالها المسؤولية في حال حدوث حوادث مماثلة ــ لا سمح الله؟.
أسئلة عديدة تقفز أمامنا ونحن نعيش هول الصدمة جراء هذه الحادثة المأساوية الأليمة.
إن ما نأمله هو أن تقدم اللجنة العاجلة التي وجه سمو أمير منطقة مكة المكرمة بتشكيلها للتحقيق في الحادث المأساوي الذي أودى بحياة ابن من أبناء الوطن وابنه.. جراء إهمال واضح في المسؤولية المدنية.. أن تقدم اللجنة بيانا تفصيليا عاجلا يكشف لنا من المسؤول عن وقوع هذا الحادث.. ومن ثم إيقاع العقاب الصارم عليه ليكون رادعا للمقصرين.. بما يكفل عدم تكرار مثل هذه الحوادث الصادمة التي تهدر حياة الناس وأرواحهم هباء.
في ذات الوقت الذي نريد فيه من (الشركة الوطنية للمياه) أن تضطلع بواجباتها ومسؤولياتها.. وتنفذ خططا عملية ــ العاجل منها يتمثل في تشكيل فرق تتولى التأكد من سلامة أوضاع خزاناتها ومصارفها وفتحاتها ونوعية الغطاءات المستخدمة في كل مكان.. لضمان عدم تكرار مثل هذه الحادثة التي لا تحدث سوى في الدول الفقيرة المعدمة!!.
هذا إلى جانب الإسراع في تنفيذ واستكمال مشاريع الصرف الصحي في مدينة جدة.. التي يبدو من الواقع المعاش أنها تعيش سباتا عميقا!!.
وختاما، أكرر دعائي إلى المولى ــ عز وجل ــ أن يدخل الفقيد وابنه في شآبيب رحمته.. وأن يلهم زوجته وأمه وبقية ذويه الصبر والسلوان.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.


assaati@gmail.com